عاش سيدي المختار القادري البودشيشي قبل الغزو الاستعماري الفرنسي شيخا للزاوية القادرية البودشيشية، يدعو إلى الله، ويهدي الخلق إلى حضرة الله، ويأخذ بيد الضالين إلى باب التوبة إلى الله،ولكن ما إن تهدد الوطن بالغزو الاستعماري حتى نهض الشيخ الوديع نهضة الأسد الهصور، استجابة لداعي الإيمان، وتطبيقا للقول المأثور “حب الوطن من الإيمان“، غير محتمل أن يطأ أرض الولاية والإسلام، أقدام الكفر والعدوان، فاستنهض همم قبائل بني يزناسن التي التفت حوله التفاف الأشبال حول غضنفرها، وكانت ثقة بني يزناسن في قائدها سيدي المختار نابعة من مركزه الديني الذي عرف به، وهي وراثة من جده المصطفى، وقد بوأت الأخلاق العالية لسيدي المختار بودشيش، مكانة متميزة سواء على الصعيد الاجتماعي أو عند السلطة الحاكمة آنئذ، فقد ورد في معلمة المغرب: “.. كان المختار بن محيي الدين يستشار من طرف السلطان مولاي الحسن في أمور القبائل، ويعهد إليه بالتحكيم وحل النزاعات بينها، وهذا ما أكسبه هيبة كبيرة، وأهلية ليتزعم المقاومة ضد الجيش الفرنسي بجبال بني يزناسن في نهاية (1907 أكتوبر/ دجنبر) حيث حاول الجنرال ليوطي آنذاك استغلال الخلافات الواقعة بين قواد بني يزناسن بسبب ثورة الجيلاني الزرهوني، فاستمال البعض منهم إليه، وبادر إلى التدخل لحمايتهم حينئذ التفت قبائل بني يزناسن حول الشيخ المختار بن محيي الدين الذي انتصب زعيما للجهاد، بعد أن صالح بين القبائل، وسوى الخلافات الموروثة عن صراع المخزن مع الروكي في المنطقة“.
ويبدو أن جهاد سيدي المختار بودشيش قد ابتدأ قبل التاريخ الذي ذكر في المعلمة، إذ أننا نجد في وثيقة تاريخية أنه كان على اتصال مع من تصدوا للروكي، وأنهم يعتمدون عليه في إمدادهم بالعتاد والرجال، وهو ما نستشفه من الرسالة التي بعتها القائد الناجم مبارك الدليمي للشيخ المختار بن محي الدين في (15 ربيع الثاني 1325 هـ الموافق 28- 5-1907)، فقد ورد فيها:
“… سيدنا الأعز الأرضى الشريف الجليل سيدي المختار بودشيش أمنك الله، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره، وبعد، فقد وقعت البارحة معركة بيننا وبين الفتان الجيلاني الزرهوني يشيب لها الوليد، لم تتقدم مثلها، وترك فيها أثاثه ورجاله وأفرسه طعمة للوحوش، وفر هاربا لوجهه من غير أن يلتفت على شيء بسعادة سيدنا المؤيدة بالله وبركة أسلافه، وعظَّم الله أجرنا وأجركم في تلميذكم ومحبكم القائد الميلودي السرغيني قدسه الله؛ فإنه رحمه الله قتل في المعركة، وابحث لنا على فرسين حسنين واشترهما لنا وبين لنا ثمنهما نوجهه لك، وحتى فرسك الأزرق إن كنت تريد بيعه، فبين لنا ثمنه لنوجهه لك، وعلى محبتكم طالبا صالح أدعيتكم…”.
ومما يدل على الأهمية التي كانت توليها فرنسا لسيدي المختار بودشيش، والدور الذي يلعبه في هذا الجهاد:
- أنها اعتبرته المحرض الأساسي لحركة مقاومة بني يزناسن.
- أن البلاغات العسكرية كانت تركز على كل خسارة لحقت بسيدي المختار بودشيش سواء تعلق الأمر بممتلكاته أو بالهجوم على مقره.
- أن القبض على سيدي المختار بودشيش اعتبر هو النصر النهائي على مقاومة بني يزناسن، رغم استسلام مجموعة من القبائل قبل ذلك؛ فقد ألقي عليه القبض يوم: 30 نونبر 1907، ورفرف العلم الفرنسي على ربوع بني يزناسن يوم 1 دجنبر 1907، وتلقى الجنرال ليوطي تهاني الدولة الفرنسية يوم 4 دجنبر 1907؛
- أن الجنرال ليوطي نفسه هو الذي جاء لإلقاء القبض على سيدي المختار بودشيش مما يدل على أهمية الحدث..
على أن التواريخ التي تحفظها لنا الأرشيفات، والتي تبين أن المواجهة بين بني يزناسن بقيادة الشيخ سيدي المختار بودشيش والجيوش الفرنسية قد وصلت إلى قمتها، هي التواريخ المتعلقة بأواخر سنة 1907، وتوجد بلاغات عسكرية فرنسية موثقة بتواريخها حول تحركات الجيوش الفرنسية ومقاومة بني يزناسن بقيادة الشيخ سيدي المختار بودشيش.
إن هذه البلاغات العسكرية التي رغم إيجازها، ورغم تركيزها على النشاط العسكري الفرنسي وتهميش نشاط مقاومة بني يزناسن بقيادة سيدي المختار بودشيش، تشي نوعا ما بأهمية هذه المقاومة وخطورتها التي تشكلها على القوات الفرنسية، وهكذا يمكننا أن نستنتج مجموعة من المؤشرات التي تدل على ذلك ومنها:
- طول هذه الحرب التي قامت بها قبائل بني يزناسن بقيادة سيدي المختار بودشيش؛ إذ نجد البلاغ الأول يصدر في 6 أكتوبر 1907، والبلاغ الآخر يصدر في 4 يناير 1908 أي أن الحرب دامت ثلاثة أشهر رغم الإمكانيات الهائلة التي جندتها فرنسا لمقاومة جهاد سيدي المختار بودشيش.
- الخسائر التي تكبدتها فرنسا خلال هذه الحرب.
- الاضطرار إلى الاستغاثة بالقوات الفرنسية المتواجدة بالجزائر.
- الحاجة إلى اللجوء إلى قائدين كبيرين لقيادة الحملات العسكرية بعد فشل القواد السابقين في تحقيق نصر على المجاهد سيدي المختار بودشيش، هذان القائدان هما رايلود، وليوطي، وما أدراك ما الجنرال ليوطي الذي كان لا ينتدب إلا للمهام الصعبة..
اشتهر سيدي المختار بودشيش بكرامات عديدة، وأعمال جليلة بالإضافة إلى جهاده للمستعمر، ومن هذه الأعمال:
- أنه قام باستصلاح أراضي “مداغ” التي كانت غير مستغلة ولا مسكونة، فأصبحت بفضله أرضا مأهولة بالسكان، غزيرة العطاء، وقد رحل إليها بعد أن قنبلت فرنسا مسكنه وزاويته؛
- أنه اشتهر بالكرم وإيواء المستضعفين، وقد أنشأ حول زاويته قرية كبيرة تضم جملة ممن لجؤوا إلى أكناف الزاوية والتجؤوا إلى حماه. وتثبت الوثائق التاريخية، أنه كان ملجأ القبائل أيام الأزمات، فنجد مثلا في المعاهدة التي أبرمها مع أعيان قبيلة هوارة في 10 ذي الحجة 1319 هـ الموافق 20-3-1907، أنه خصص لهم بأراضيه بمداغ مطامير لخزن حبوبهم، لا لأنهم ضاقت عليهم الأرض بسبب قبيلة أولاد الصغير المجاورة لهم، ولكن نظرا للحرمة التي كانت تتمتع بها زاوية الشيخ سيدي المختار بودشيش”.