بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد فقد كثر السؤال عن معنى الحديث الذي اشتهر على الألسنة : " من عرف نفسه فقد عرف ربه "وربما فهم منه معنى لا صحة له ، وربما نسب إلى قوم أكابر ، فرقمت في هذه الكراسة ما يبين الحال ويزيل الإشكال ، وفيه مقالات :
المقال الثاني في معناه : قال النووي في فتاويه : معناه من عرف نفسه بالضعف والافتقار إلى الله والعبودية له عرف ربه بالقوة والربوبية والكمال المطلق والصفات العلى ، وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في " لطائف المنن " : سمعت شيخنا أبا العباس المرسي يقول : في هذا الحديث تأويلان :
أحدهما : أي من عرف نفسه بذلها وعجزها وفقرها عرف الله بعزه وقدرته وغناه ، فتكون معرفة النفس أولا ثم معرفة الله من بعد.
والثاني : أن من عرف نفسه فقد دل ذلك منه على أنه عرف الله من قبل ، فالأول حال السالكين ، والثاني حال المجذوبين .
وقال أبو طالب المكي في " قوت القلوب " : معناه إذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق وأنك تكره الاعتراض عليك في أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنعه عرفت منها صفات خالقك ، وأنه يكره ذلك فارض بقضائه وعامله بما تحب أن تعامل به .
وقال الشيخ عز الدين : قد ظهر لي من سر هذا الحديث ما يجب كشفه ويستحسن وصفه وهو أن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الروح الروحانية في هذه الجثة الجثمانية لطيفة لاهوتية موضوعة في كثيفة ناسوتية دالة على وحدانيته وربانيته .
الحاوي للفتاوي جلال الدين السيوطي