اعلم أن البيوت التي يدخلها المريد ثلاثة : بيت الشريعة وبيت الطريقة وبيت الحقيقة ، ولكل واحد أبواب فمن أتى البيت من بابه دخل . ومن أتاه من غيره طُرد .
فبيت الشريعة له ثلاثة أبواب : الباب الأول : التوبة ، فإذا دخل هذا الباب ، وحقَّق التوبة بأركانها وشروطها ، استقبله باب الاستقامة ، وهي : متابعة الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله ، فإذا دخله ، وحقق الاستقامة ، استقبله باب التقوى بأقسامها . فإذا حقق التقوى ظاهراً وباطناً ، دخل بيت الشريعة المطهرة ، وتنزه في محاسنه ومعانيه ، ثم يروم دخول بيت الطريقة ، وله ثلاثة أبواب :
الباب الأول : الإخلاص وهو : إفراد العمل لله نم غير حرف ولا حظ ، فإذا حقق الإخلاص استقبله باب التخلية وهي التطهير من العيوب الباطنة ، وهي لا تنحصر ، لكن من ظفر بالشيخ أطلعه عليها ، وعلَّمه أودتيها ، فإذا حقق التخلية استقبله باب التحلية ، وهي : الاتصاف بأنواع الفضائل كالصبر والحلم والصدق والطمأنينة والسخاء والإيثار ، وغير ذلك من أنواع الكمالات . فإذا حقق الإخلاص والتخلية والتحلية فقد حقق بيت الطريقة ، ثم يستقبله بيت الحقيقة .
فأول ما يقرع باب المراقبة ، وهي : حفظ القلب والسر من الخواطر الردية ، فإذا تطهر القلب من الخواطر الساكنة ، استشرف على باب المشاهدة ، وهي : محو الرسوم في مشاهدة أنوار الحيّ القيّوم ، أو تلطيف الأواني عند ظهور المعاني ، فإذا دخل باب المشاهدة ، وسكن فيها ، استقبله باب المعرفة ، وهي محلّ الرسوخ والتمكين ، وهي الغاية والمنتهى ، فبيت الحقيقة وهو مسجد الحضرة الربانية . وما بقي بعدها إلا الترقي في المقامات ، وزيادة المعارف والكشوفات أبداً سرمداً ، منحنا الله من ذلك حظّاً وافراً بمنّه وكرمه .
تفسير ابن عجيبة