آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قال تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.



يقول الحقّ جلّ جلاله : "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".

يقول الحقّ جلّ جلاله : في جواب رجل سأل : هل قريب ربنا فنناجيَه ، أو بعيد فنناديه؟ فنزل : { وإذا سألك عبادي عني } . فقل لهم : { إني قريب } إليهم من أرواحهم لأشباحهم ، ومن وَسْواس قلوبهم لقلوبهم ، عِلْماً وقدرة وإحاطة ، أجيب دعوة الداعي إذا دَعَانِ ، سرّاً أو جهراً ، ليلاً أو نهاراً ، على ما يليق بحاله في الوقت الذي نريد ، لا في الوقت الذي يريد ، { فليستجيبوا لي } إذا دعوتُهم للإيمان والطاعة ، أَسْلُك بهم طريق المعرفة ، { وليؤمنوا بي } إني قريب منهم فَيَسْتَحْيُوا مني ، حياءَ مَنْ يرى أني معه حيث كان ، { لعلهم يرشدون } إلى سلوك طريقتي ودوام محبتي .

قال البيضاوي : اعلم أنه ، تعالى ، لما أمرهم بصوم الشهر ، ومراعاة العدة على القيام بوظائف التكبير والشكر ، عقَّبه بهذه الآية الدالّة على أنه خبير بأحوالهم ، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم ، مجازيهم على أعمالهم ، تأكيداً وحثّاً عليه .

الإشارة : قُرْب الحقّ تعالى من عباده هو قرب المعاني من المحسوسات ، أو قرب الصفات من الذات ، أو الذات من الصفات ، فإذا تحقق المحو والاضمحلال ، وزال البَيْن ، وثبت الوصال ، لم يبقَ قرب ولا بعد ولا بَينٌ ولا انفصال . قال الشيخ القطبُ العارف الكبير سيدي عبد السلام بن مَشِيش رضي الله عنه لأبي الحسن رضي الله عنه : حدِّدْ بصرَ الإيمان تَجد الله في كل شيء وعند كل شيء ، ومع كل شيء ، وقبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقريباً من كل شيء ، ومحيطاً بكل شيء ، بقرب هو وصَفْهُ ، وبحيطةً هي نعتُه ، وَعَدّ عن الظرفية والحدود ، وعن الأماكن والجهات ، وعن الصحبة ، والقرب في المسافات ، وعن الدَّوْر بالمخلوقات ، وامْحَق الكلَّ بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن ، « كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما كان عليه كان » .
وقال بعض العارفين : الحق تعالى منزَّه عن الأيْنِ والجِهة والكَيْف والمادة والصورة . ومع ذلك لا يخلو منه أيْنٌ ولا مكان ، ولا كم ولا كيف ، ولا جسم ، ولا جوهر ولا عرض ، لأنه لِلُطْفه سَارٍ في كل شيء ، ولنُوريته ظاهر في كل شيء ، ولإطلاقه وإحاطته متكيّف بكل كيف ، غيرُ متقيِّد بذلك ، فمَنْ لم يعرف هذا ولم يُذقْه ولم يشهدْه فهو أعمى البصيرة ، محرومٌ من مشاهدة الحق تعالى .
وهذه الإشارات لا يفهمها إلا أهل الذَّوْق من أهل المعاني ، فاصحب الرجال أهلَ المعاني تِذُقْ أسرارهم ، وتفهم إشاراتهم . وإلا فحسبُك أن تعتقد كمال التنزيه ، وبطلان التشبيه ، وتَمَسَّكْ بقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشّورى : 11 ] ، وسلَّمْ للرجال في كل حال .
إِنْ لم تَر الهلاَلَ فسلِّمْ ... لأُناسٍ رأوْه بالأبْصَار

وإذا تحققت أن الحقّ قريب منك كفاك لسانُ الحال عن طلب المقال ، وبالله التوفيق .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية