آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الإنفاق في سبيل الله


(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)

هذه الأوصاف تتضمن ثلاثة أعمال:
الأول : عمل قلبي وهو الإيمان .
والثاني : عمل بدني ، وهو الصلاة .
والثالث : عمل مالي ، وهو الإنفاق في سبيل الله ، وهذه الأعمال هي أساس التقوى التي تدور عليها .

أما العمل القلبي : فهو الإيمان أولاً ، والمعرفة ثانياً ، فما دام العبد محجوباً بشهود نفسه ، محصوراً في الأكوان وفي هيكل ذاته فهو مؤمن بالغيب ، يؤمن بوجود الحق تعالى ، وبما أخبر به من أمور الغيب ، يستدل بوجود أثره عليه ، فإذا فني عن نفسه وتلطفت دائرة حسه ، وخرجت فكرته عن دائرة الأكوان ، أفضى إلى الشهود والعيان ، فصار الغيب عنده شهادة ، والملك ملكوتاً ، والمستقبل حالاً ، والآتي واقعاً ، وقد قلت ذلك :
فَلا تَرْضى بغَيْرِ الله حِبّاً ... وكُنْ أبداً بعِشْقٍ واشْتِيَاقِ
تَرَى الأمْرَ الْمُغَيَّبَ ذا عيَانٍ ... تَحْظَى بالوصُولِ وبالتَّلاَقِي
وفي الحكم : « لو أشرق نور اليقين في قلبك لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها ، ولرأيت بهجة الدنيا وكسوة الفناء ظاهرة عليها » وقال في التنوير : ولو انْهَتَكَ حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان ، ولأشرق نور الإيقان فغطّى وجود الأكوان .
وإنما اقتصر الحق تعالى على الإيمان بالغيب لأنه هو المكلف به؛ إذ هو الذي يطيقه جلّ العباد ، بخلاف المعرفة الخاصة فلا يطيقها إلا الخصوص ، والله تعالى أعلم .
وأما العمل البدني : فهو إقامة الصلاة ، والمراد بإقامتها إتقان شروطها وأركانها وخشوعها ، وحفظ السر فيها ، قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : ( كل موضع ذكر فيه المصلّون في معرض المدح فإنما جاء لمن أقام الصلاة ، إما بلفظ الإقامة ، وإما بمعنى يرجع إليها ، قال تعالى { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقيمُونَ الصَّلاَةَ } ، وقال تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ } [ الإسرَاء : 78 ] ، { وَالْمُقِيمِى الصَّلاَةِ } [ الحَجّ : 35 ] ، ولما ذكر المصلّين بالغفلة قال : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [ الماعون : 4 ، 5 ] ولم يقل : فويل للمقيمين الصلاة ) .

وأما العمل المالي فهو الإنفاق في سبيل الله واجباً أو مندوباً ، وهو من أفضل القربات ، يقول الله - تبارك وتعالى : « يا ابنَ آدم أنفِقْ ، أنفقْ عليك » ، وفي حديث آخر : « أنفِقْ ولا تخَفْ مِنْ ذي العرشِ إقْلالاً » وقال صلى الله عليه وسلم : « إنّ فِي الجنَةِ غُرفاً يُرى ظَاهِرُهَا مِنْ باطنها وباطِنَها مِنْ ظَاهِرهَا » ، قيل : لِمَنْ هِي يا رسولَ الله؟ قال : « لِمَنْ أطْعَمَ الطعَامَ ، وأفْشَى ، السلام ، وصَلى باللَّيْلِ والناسُ نِيام » وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : « إن الله - عزّ وجلّ - ليُدْخلُ باللقمةِ مِن الخبز والقبضةِ مِن التمْر ومثله ممَّا ينتفع به المسكين ثلاثةً ، الجنةَ : رَب البيتِ الآمرَ به ، والزوجة تصلحه ، والخادمَ الذي يناولهُ المسْكِين » وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : « إنّ الصدقةَ لتسُدُّ سَبعينَ باباً من السّوء»

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية