اعلم أيدنا الله وإياك أن الله تعالى قال كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وقال صلى الله عليه وسلم إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه. فانظر ما ألطف هذه الحجب وما أخفاها فإنه قال ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ مع وجود هذه الحجب التي تمنعنا من رؤيته في هذا القرب العظيم وما نرى لهذه الحجب عينا فهي أيضا محجوبة عنا وقال تعالى ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ نعم يا ربنا ما نبصرك ولا نبصر الحجب فنحن خلف حجاب الحجب وأنت منا بمكان الوريد أو أقرب إلينا منا وهذا القرب هو سبب عدم الرؤية منا أن تتعلق بك الإنسان لا يرى نفسه فكيف يراك وأنت أقرب إلينا من أنفسنا فغاية القرب حجاب كما غاية البعد حجاب.
العجب الذي قصم الظهر وحير الفكر
وإنما العجب الذي قصم الظهر وحير العقل قولك وعلمنا إن الله يرى في قولك توبيخا وتنبيها أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الله يَرى وقولك وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ثم قلت إنك لو رفعت الحجب بيننا وبينك من كونك موصوفا بالسبحات الوجهية لاحترق ما أدركه بصرك بسبحات وجهك وبالنور صح ظهور العالم وهو وجوده فكيف يعدم من حقيقته الإيجاد هنا هي الحيرة ثم إنه على الأمرين أدخلت نفسك تحت حكم التحديد وهذا ينكره ما جعلته فينا من القوة العقلية الناظرة بالصفة الفكرية وما لنا إلا حس وعقل فبالحس ما ندرك وبالعقل ما ندرك فقد وقع الحد إن كنت خلف الحجاب فأنت محدود وإن كنت أقرب إلينا من الحجاب فأنت محدود وإن كنت بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ فأنت أقرب إلى نفي الحد فلما ذا أدخلت نفسك في الحد بما أعلمتنا به من الحجب الحائلة بينك وبيننا بيننا وبينك حارت العقول وما خاطب الحق إلا العقول. حارت العقول وما خاطب إلا العقول ونصب أدلتها متقابلة فما أثبته دليل نفاه آخر إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها من تَشاءُ وتَهْدِي من تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأي غفر أشد من هذا جزى الله عنا موسى عليه السلام حيرا إذ ترجم عنا بقوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ اختبرت عبادك بالأدلة وما ثم دليل يوصل إليك الدليل موضوع ليدل على واضع لا يدل على حقيقة واضعه فما رأينا بعد السبر والتقسيم وما أعطاه الكلام القديم إلا أن تكون أنت عين الحجب ولهذا احتجبت الحجب فلا نراها مع كونها نورا وظلمة وهو ما تسميت به لنا من الظاهر والباطن وقد أمرتنا أن نتقي الله فإن لم يكن الله عين الحجاب عليه النوري من الاسم الظاهر والظلمي من الاسم الباطن وإلا كنا مشركين وقد ثبت أنا موحدون فثبت أنك عين الحجاب
احتجبنا عن الحق واحتجاب الحق عنا وسلبية الصفات الإلهية
فما احتجبنا عنك إلا بك ولا احتجبت عنا إلا بظهورك غير أنك لا نعرف لكوننا نطلبك من اسمك كما نطلب الملك من اسمه وصفته وإن كان معنا غير ظاهر بذلك الاسم ولا بتلك الصفة بل ظهور ذاتي فهو يكلمنا ونكلمه ويشهدنا ونشهده ويعرفنا ولا نعرفه وهذا أقوى دليل على أن صفاته سلبية لا ثبوتية إذ لو كانت ثبوتية لا ظهرته إذا ظهر بذاته فما نعرف أنه هو إلا بتعريفه فنحن في المعرفة مقلدون له وكانت صفاته ثبوتية لكانت عين ذاته وكنا نعرفه بنفس ما نراه ولم يكن الأمر كذلك فدل على خلاف ما يعتقده أهل النظر وأرباب الفكر الصفاتين من المشبهة من أرباب العقول .
ما في الوجود إلا الله وما في العدم الشيئ إلا أعيان الممكنات
وهذا الأمر أدانا إلى أن نعتقد في الموجودات على تفاصيلها أن ذلك ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان وما في العدم الشيء إلا أعيان الممكنات مهياة للاتصاف بالوجود فهي لا هي في الوجود لأن الظاهر أحكامها فهي ولا عين لها في الوجود فلا هي كما هو ولا هو لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان .
فلا هو فيا أنا ما هو أنا
ولا هو ما هو هو
مغازلة رقيقة وإشارة دقية ردها البرهان ونفاها وأوجدها العيان وأثبتها فقل بعد هذا ما شئت فقد أنبت لك عن الأمر ما هو فما أخطأ معتقد في اعتقاده ولا جهل منتقد في انتقاده.