{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } * { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }
قال السدي في تفسيره: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } قال: هم المنافقون. أما لا تفسدوا في الأرض، قال: الفساد هو الكفر، والعمل بالمعصية.
عن ابن عباس في قوله: { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { وَإذَا قيل } لهؤلاء المنافقين: { لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } بالمعاصي والتعويق عن الإيمان، وإغراء أهل الكفر والطغيان على أهل الإسلام والإيمان، وتهييج الحروب والفتن، وإظهار الهرج والمرج والمحن، وإفشاء أسرار المسلمين إلى أعدائهم الكافرين، فإن ذلك يؤدي إلى فساد النظام، وقطع مواد الإنعام، { قَالُوا } في جوابهم الفاسد: { إنما نحن مصلحون } في ذلك، فلا تصح مخاطبتنا بذلك، فإن من شأننا الإصلاح والإرشاد، وحالنا خالص من شوائب الفساد، قال تعالى: { ألا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ } هنالك، ولكن لا شعور لهم بذلك.
وهذه الآية عامة لكل مَن اشتغل بما لا يعنيه، وعوق عن طريق الخصوص، ففيه شعبة من النفاق، وفي صحيح البخاري: " ثَلاثٌ من كُنَّ فِيهِ كان مُنَافِقاً خالِصاً: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا أوْتُمِنَ خانَ ".
يقول ابن عجيبة : الإشارة: وإذ قيل لمن يشتغل بالتعويق عن طريق الله والإنكار على أولياء الله: أقصر من هذا الإفساد، وارجع عن هذا الغي والعناد، فقد ظهرت معالم الإرشاد لأهل المحبة والوداد. قال: إنما أنا مصلح ناصح، وفي أحوالي كلها صالح، يقول له الحق جلّ جلاله: بل أفسدت قلوب عبادي، ورددتهم عن طريق محبتي وودادي، وعوقتهم عن دخول حضرتي، وحرمتهم شهود ذاتي وصفاتي، سددت بابي في وجه أحبابي، آيستهم من وجود التربية، وتحكمت على القدرة الأزلية، ولكنك لا تشعر بما أنت فيه من البلية.
فَتُبْ أيها المذكر قبل الفوات، واطلب من يأخذ بيدك قبل الممات، لئلا تلقى الله بقلب سقيم، فتكون في الحضيض الأسفل من عذابه الأليم، فسبب العذاب وجود الحجاب، وإتمام النعيم النظر لوجهه الكريم، منحنا الله منه الحظ الأوفى في الدنيا والآخرة. آمين.