يقول تعالى مذكراً بني إسرائيل ما أخد عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق، رفع الجبل فوق رؤوسهم؛ ليقروا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوة وجزم وامتثال، كما قال تعالى:
وقوله تعالى: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ } يقول تعالى: ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي بتوبته عليكم، وإرساله النبيين والمرسلين إليكم { لَكُنتُم مِّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة.
يقول القشيري:أخذ سبحانه ميثاقَ جميع المُكَلَّفِين، ولكنَّ قوماً أجابوا طوعاً لأنه تعرَّف إليهم فوَحَّدوه وقوماً أجابوه كرهاً لأنه ستر عليهم فجحدوه، ولا حُجَّة أقوى من عيان ما رفع فوقهم من الطور - وهو الجبل - ولكن عَدِموا نورَ البصيرة، فلا ينفعهم عيانُ البصر. قال الله تعالى: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } ، أي رجعتم إلى العصيان بعد ما شاهدتم تلك الآيات بالعيان، ولولا حكمه بإمهاله، وحِلْمُه بأفضاله لعَاجَلكُم بالعقوبة، وأحلَّ عليكم عظيمَ المصيبة ولخَسِرَتْ صفقتُكم بالكُلِّيَة.
يقول ابن عجيبة: اعلم أن المريدين إذا دخلوا في يد شيخ، وأخذوا عنه العهد، حملهم من أعباء التكليف وخرق العائد ما تموت به نفسوهم، وتحيا به قلوبهم، كذبح النفوس وحط الرؤوس ودفع الفلوس، فإذا هموا بالتقصير، ظلل عليهم جبل همته، وأدار عليهم يد حفظه ورعايته، ولذلك قال الشيخ أبو الحسن: (والله لا يكون الشيخ شيخاً حتى تكون يده مع الفقير أينما ذهب). والمراد باليد: الهمة والحفظ، ولا يزال الشيخ يراسلهم بهذه التكاليف، ويحضّهم على الأخذ بها، والاجتهاد في العمل بها، حتى تموت نفوسهم وتحيا قلوبهم، وترسخ معرفتهم، وتكمل تربيتهم، فحينئذٍ ينتقلون إلى روح وريحان في جنات الشهود العيان.