آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تفسير قوله تعالى :{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً...} آية (55-56-57) سورة البقرة.


يقول الحقّ جلّ جلاله: واذكروا أيضاً، يا بني إسرائيل، حين قلتم لموسى عليه السلام لما رجع من الطور، ووجدكم قد عبدتم العجل، فأخذ منكم سبعين رجلاً ممن لم يعبد العجل، وذهب يعتذر، فلما سمعتم كلامي أنكرتموه وحرفتموه، وقلتم: { لَن نُؤْمِنَ لَكَ } أن هذا كلام الله { حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةِ } بسبب طلبكم ما لا طاقة لكم به، فغبتم عن إحساسكم، وذهبت أرواحكم، { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } ما فعل بكم، فاستشفع فيكم موسى عليه السلام وقال: يا{ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّاىَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّا }[الأعرَاف: 155] كيف أرجع إلى قومي بغير هؤلاء؟ { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتِكُمْ } وعشتم زماناً بعد ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } هذه النعمة، وتقومون بحسن الخدمة، فتقروا بربوبيتي، وتصدقوا برسلي، فلم تفعلوا.

يقول الحقَ جلّ جلاله: في تذكير بني إسرائيل ما أنعم به عليهم في حال التيه: { و } قد { ظَلَّلْنا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ } يقيكم من الحر في أيام التيه، { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ } وهو عسل كان ينزل على الشجر من الفجر إلى الطلوع، فيغرفون منه ما شاءوا، { و } أنزلنا عليكم { السلوى } ، وهو طير كانت تحشره الجنوب، فينزل عليهم، فياخذون منه ما شاءوا، ولا يمتنع منهم، فيذبحون ويأكلون لحماً طريّاً، فقلنا لهم: { كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا } بمخالفتهم أمْرَ نبيهم وسوء أدبهم معه، حيث قالوا: { فَاذْهَبْ أَنَتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }[المَائدة: 24] فعاقبهم بالتيه أربعين سنة، يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة. { وَلَكِن } ظلموا أنفسهم؛ حيث أوقعوها في البلاء والمحنة.

يقول ابن عجيبة: من شأن الأرواح الطيبة التشوق إلى الحضرة، والتشوف إلى العيان والنظرة، فلا يحصل لها كمال التصديق والإيقان إلا بعد الشهود والعيان، فلما علم الحق سبحانه من بعض الأرواح صدق الطلب، رفع عنها الحجاب، وفتح لها الباب، فأخذتها صاعقة الدهشة والحيرة، ولم تطق صدمة المشاهدة والنظرة، فغابت عن الأشكال والرسوم في مشاهدة أنوار الحي القيوم، ثم مَنَّ عليها بالبعث من موت الفناء إلى حياة البقاء، فأمنت من الشقاء، فحصلت لها الحياة الدائمة والسعادة السرمدية. فالصاعقة عند أهل الفن هي عبارة عن الغيبة عن النفس، وفناء دائرة الحس، وهي شهود عدمك لوجود الحق، والبعث منها هو مقام البقاء، وهو شهود الأثر بالله. وهو مقام حق اليقين. وحاصلة: شهود وجود الحق وحده، لا عدمك ولا وجودك، " كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان ". وبالله التوفيق.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية