قال القشيري: لو شاء سَهَّل سبيلَ الاستدلال، وأدَام التوفيق لكلِّ أحدٍ، ولكن تَعلَّقَتْ المشيئةُ بإغواء قوم، وأردنا أن يكون للنار قُطان، كما يكون للجنة سُكان، لما علمنا يوم خلقناهما أنه ينزلهما قومٌ وقومٌ. فَمن المحال أن نريد ارتفاعَ معلومنا، إذ لو لم يقع، ولم يحصل؛ لم يكن عِلْماً. فإذا لا أكون إلها. ومن المحال أن أُريد ذلك. ويقال: من يتسلَّطْ عليه من يحبه؛ لم يجد في مُلْكِه ما يكرهه. يا مسكين أفنيت عُمْرَك في النكد والعناء، وأمضيت أيامك في الجهد والرجاء، غيَّرت صفتك، وأكثرتَ مجاهدتك، فما تفعل فيما مضى، كيف تبدله؟ وما تصنع في مشيئتي، وبأي وسع ترُدُّها؟
يقول في عرائس البيان قوله تعالى :{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } قطع مشية الخلائق عن مشية الازل ولو أراد أن يكون كلهم عارفين به يكون ولكن وقع خاصية الانبياء والاولياء بنعت الاصطفائية من ارادته ووقع بعد الاضداد من ارادته سباق لطفه لاهل لطفه وسابق قهره لاهل قهره قال ابن عطا لو شئنا لوقفنا كل عبد لطلب مرضاتنا ولكن حق القول بالوعد والوعيد ليتم الاختيار قوله تعالى { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ان جهنم فم قهره انفتح لياخذ نصيبه ممن له استعداد مباشرة القهر كما ان الجنة فم لطفه انفتح لياخذ من له استعداد مباشرة لطفه.
وسئل الشبلى قدس سره عن هذه الآية فقال:" يا رب املأ نارك من الشبلى واعف عن عبيدك ليتروح الشبلى بتعذيبك كما يتروح جميع العباد بالعوافى".
وذلك ان من استوى عنده اللطف والقهر بالوصول الى الاصل رأى مقصوده فى كل واحد منهما كما رأى ايوب عليه السلام المتبلى فى بلائه فطاب وقته وحاله وصفا باله فى عين الكدر.