نبهنا الله فى ذلك من سر عجيب وهو أن أبواب كشف القدم مسدودة على أهل الحدثان ولم يظهر لأحد عين ذات الأزل ففتح الله أبوابه لعين محمد صلى الله عليه وسلم حتى رآه كفاحا ففتح سمعه فأسمعه كلامه شفاها وفتح باب قلبه وروحه وسره فعرف نفسه لها حتى وجدت أبواب خزائن علومه الغيبية مفتوحة وفتح الله جميع أبواب وجود حبيبه صلى الله عليه وسلم حتى الشعرة على بدنه وجعلها عيونا مفتوحة بمفاتيح توحيده وأنوار بحقيقة حتى رآه بجميع عيون وجوده وذلك الفتح ظاهر من وجوده حتى لا يراه أحد إلا ويرى نور الصمدية ينتشر من بشرته لكن كان محجوبا من عيون الأغيار بقوله ينظرون إليك وهم لا يبصرون وذلك الفتح سبب غفران ذنبه الأول وذنبه الآخر الذنب الأول سقوطه من زند الفعل على نور الصفة اذ أتى فى اوّل الأول بوجود الحدث الى ساحة القدم ومع ما أتى به لم يات بحقوق الأزلية عليه بكمالها فإذا قصر فى واجب حق الربوبية بكماله صار ذلك ذنبه الأول وذنبه الآخر وقوفه بنعت الخطاب على مدارج العبودية بعد أن غاص فى بحر الربوبية فإن من شرائط وجدانها الخروج من المرسومات فذلك الفتح سبب غفران الذنبين وليبلغه إلى محض الاتصاف والاتحاد حتى يسير الربوبية فى ركاب حيزوم القدم فى ميادين الأزل إلى الأبد بنعت التوحيد والتجريد والتفريد وذلك تام ونعمته التى عليه أخبرنا الحق عنها بقوله : { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } ثم بين إنه يهديه الى طريق مشية الازل المستقيمة بالارادة والوحدانية وذلك الطريق ما يسلك فيه عساكر جنود انوار التجلى والتدلى بقوله { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } ذلك الصراط للحق لا للخلق لأن الحادث لا يسلك فى القدم إقامة الحق على رأس ذلك الطريق وكان لا يعرف أين يسلك حتى بدا له انوار بريد تجلى القدم الذى استقبله فهداه الى مسالك الديمومية فاذهب به الحق الى معارج دنوه وذلك ما انبانا الله من سيره من الحدث الى القدم بقوله :{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ }.
فإذا وصل الى قلب عساكر الوحدانية وغلب عليه سطوات جنود الفطنة استغاث منه اليه حيث قال اعوذ بك منك فلبسه الله انوار ربوبيته وايده بقوته الازلية حتى استقام بالحق الى الحق فاخرج الحق جنود رحمته الباقية فقواه بها وسكن بها قهر القدم بقوله سبقت رحمتى غضبى وذلك قوله :{ وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً }.
قال ابن عطا جمع الله للنبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الأية من نعيم مختلفة بين الفتح المبين وهو من اعلام الاجابة والمغفرة وهى من اعلام المحبة وتمام النعمة وهى من اعلام الاختصاص والهداية وهى من التحقق بالحق والنصر وهو من اعلام الولاية والمغفرة تبرئة من العيوب وتمام النعمة ابلاغ الدرجة الكاملة من الحق والهداية هى الدعوة إلى المشاهدة والنصرة هى رؤية الكل من الحق من غير ان يرجع الى سواه وقال الواسطى فتح عين رسوله صلى الله عليه وسلم لمشاهدته فى السرى وفتح سمعه لفهم كلامه كفاحا بعد ان قواه لذلك واكرمه به وقال ابن عطا كشف ذنوب الانبياء عليهم السّلام ونادى عليهم وستر ذنوب النبى صلى الله عليه وسلم بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر قال ابو يزيد فى قوله ويهديك صراطا مستقيما هو السبيل الى قربه ليلة المعراج حيث تاخر جبرئيل عليه السلام ولم يكن ذلك محله فهدى الرسول صلى الله عليه وسلم الى السبيل الحق وهو الصراط المستقيم وقال ابن عطا لما بلغ الى سدرة المنتهى قدم النبى صلى الله عليه وسلم واخر جبرئيل عليه السلام فقال النبى صلى الله عليه وسلم لجبرئيل تتركنى فى هذا الموضع وحدي؟ فعاتبه الله حين سكن إلى جبرئيل فقال: { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وقال أيضاً يهدى بك الخلق الى الطريق المستقيم وهو الطريق الى الحق من جعله امامه قاده الى الخلق ومن لم يقتد به فى طلب الطريق الى الحق ضل فى طلبه واخطأ طريق رشده.
تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي
جزكم الله خير علا نشرهاذهي المعلوم لمفيد وحفظكم الله ورعاكم مكل شر
ردحذف