قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } وصف الله قوما ليسوا من اهل مقام الرضا لانهم كانوا محرومين عن معرفة الله ورسوله ومعرفة حقائق الدين ولو كانوا من اهل المعرفة لرضوا فيما ابتلاهم الله فان الرضا مقرون بالمعرفة ونعت الراضى النشاط بما استقبله من الله ويستلذ بما باشر قلبه من البلاء لأنه يحتمل البلاء برؤية المبلى ويسكن فى جريان المقادير عليه بما يرد على قلبه من روح انوار القدر والراضى موصوف بصفة الرضا من الله والمتصف بصفاته يرضى برضى الله فى امتحانه ورضى الله مقدس عن التغيير بوارد الحدثان وبين الله سبحانه ان الراضى عن الله فالله خلفه عن كل فوت وحياته عن كل موت بقوله: { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } من كان هو حسبه فأجره مشاهدة حسيبه قال الله: { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } اى من قربه ومشاهدته { وَرَسُولُهُ } يظهر لنا من فوائد الغيب المكشوفة له ويؤدبنا بما استأثره الله من حقائق الادب :{ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } بنعت الشوق الى جماله لا الى غيره من العرش الى الثرى علم الله تعالى ادب الرضا والسؤال فى هذه الاية الصادقين والعارفين والمريدين قال ابراهيم بن ادهم:" من رضى بالمقادير لم يغتم"، وقال فضيل الراضى:" لا يتمنى فوق منزلته" ثم ان الله تعالى لما دس رغام الحرمان فى افواه المدعين بمقام الايمان والمعرفة الذين طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم ما خص الله به الروحانيين والربانيين مما ألزم على اعناق اهل الدنيا الذين يجمعونها من سهم الزكاة ذكر انه استأثره لاهل المراقبات والمشاهدات وغيرهم من اهل المقامات بقوله: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } ان الله سبحانه قسم هذه الجوائز من فضله ولطفه على اهل معرفته رحمة منه عليهم بعلمه انهم غائبون فى اودية فردانيته مستغرقون فى بحار وحدانيته والهون من حبه هائمون من شوقة لا يطيقون ان يشتغلوا بما لا بد لهم من كثيرات حريقات ليأخذوا كلهم على قدر مراتبهم من سهام ما رزقهم الله حلالاً طيباً مما اوجبه على طلاب الدنيا وحذر اهل الدنيا عن عذاب الاليم اذ يقصرون فى اعطاء الزكوة الى هؤلاء السادة يطيب نفوسهم ونشاط قلوبهم وبين عدد اهلها وقسمهم بثمانية اقسام وجعل اولهم الفقراء وحسم اطماع غيرهم عن هذه السهام وقال: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ } ومن بعدهم من اصناف الثمانية ودليل الخطاب ان هذه لهم لا لغيرهم بدأ بالفقراء وهم المتجردون بقلوبهم وابدانهم عن الكونين والعالمين المنعوتون بنعت التنزيه حيث وقعوا فى قدس القدم فاتصفوا بقدسه وتنزهوا بتنزيهه وانفردوا بفردانيته يفتقرون الى وصال الابد { وَٱلْمَسَاكِينِ } هم الذين سكنوا فى حجال الانس بنور القدس حاضرين فى العبودية بنفوسهم غائبين فى انوار الربوبيّة بقلوبهم لذلك اختار المسكنة سيد فرسان العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:" اللهم احينى مسكيناً وامتنى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين "
وانشد:
مساكين اهل الارض ساقت قلوبهم | فهم انفس عاشوا بغير قلوبِ |
من لم يكن بك فانيا عن حظه | وعن الهوى والانس بالاحباب | |
أو يتمته صبابة جمعت له | ما كان مفترقاً من الاسباب | |
فلأنه بين المراتب واقف | لمنال حظ او لحسن مآب |
تمنى على الزمان محالا | ان ترى مقلتاى طلعة حرّ |
* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي