الإشارة: ينبغي للعبد أن يصفي مشرب توحيده، ويعتني بتربية يقينه، بصحبة أهل اليقين، وهم أهل التوحيد الخاص، فيترقى من توحيد الأفعال إلى توحيد الصفات، ومن توحيد الصفات إلى توحيدات الذات، فنهاية توحيد الصالحين والعلماء المجتهدين تحقيق توحيد الأفعال، وهو ألاَّ يرى فاعلاً إلا الله، لا فاعل سواه، وثمرة هذا التوحيد: الاعتماد على الله، والثقة بالله، وسقوط خوف الخلق من قلبه، لأنه يراهم كالآلات، والقدرة تحركهم، ليس بيدهم نفع ولا ضرر، عاجزون عن أنفسهم فكيف عن غيرهم؟ ونهاية توحيد العباد والزهاد والناسكين المنقطعين إلى الله تعالى توحيد الصفات، فلا يرون قادرًا ولا مريدًا ولا عالمًا ولا حيًّا ولا سميعًا ولا بصيرًا ولا متكلمًا إلا الله، قد انتفت عنه صفات الحدث وبقيت صفات القدم. وثمرة هذا التوحيد: الانحياش من الخلق والتأنس بالملك الحق، وحلاوة الطاعات ولذيذ المناجات. ونهاية توحيد الواصلين من العارفين والمريدين السائرين: توحيد الذات؛ فلا يشهدون إلا الله، ولا يرون معه سواه. قال بعضهم: لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع، فإنه لا غير معه حتى أشهده. وقال شاعرهم:
مُذ عَرَفتُ الإله لَم أرَ غَيرًا | وكَذَا الغَيرُ عِندَنَا مَمنُوعُ | |
مُذ تَجَمَّعتُ مَا خَشيتُ افتِراقاً | فَأنَا اليَومَ واصِلٌ مجمُوعُ |
وقال في التنوير: أبى المحقّقون أن يشهدوا مع الله سواه؛ لما حققهم به من شهود الأحدية وإحاطة القيومية. هـ. وفي الحكم: " الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته ".
وهؤلاء هم الصديقون المقربون. نفعنا الله بذكرهم، وخرطنا في سلكهم. آمين.