آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : الحقيقة القلبية الصوفية / أحمد لسان الحق(8).

وأما الرباط الذي يربط الأولياء بالله والرسول صلى الله عليه وسلم ، وما بينهم ، وبين المؤمنين ، ثم قبول كلّ الناس بحبّ خالقهم ، فرباط المحبّة ،التي من نتائج الذكر وفوائده . وفيها روى مسلم أن الله قال على لسان نبيه :"وَجبَت محبّتي للمتحابّين فيّ... الخ" وقد أبرز ابن القيم أهمية الذكر في خلق المحبة في القلب ، فقال :"إنّه يُوَرثُ المحبّة ، التي هي روح الاسلام ، وقُطبُ رَحى الدّين ، ومداُر السعادة . وقد جعل الله لكل شيء سببًا ، وجعل سبب المحبّة دوام الذكر ، فمن أراد أن ينال محبّة الله تعالى ، فَلْيَلْهَج بِذكره ، فالذكر باب االمحبّة ، وشعارها وسراطها الأقوم " ومن أحب الله أحبّ بحبّه ورسوله وشرعه وخلْقه . وإذا تمكّنت الخلق بحبّه تعالى من قلبه ، فلا يخلق الله شيئا يكره خلْقه . وان أرفع تاج مرصّع بالجواهر المعنويّة ، لهو الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس الذاكرين المتحابين في الله ، الذين هم من أولياء أمته ،فقال في رواية أبي داوود :"إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى".قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ فخبرنَا مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا, فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ, لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ " وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) وعليهم يصدق قوله تعالى لملائكته : "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" وخلافة الله في الأرض لا تكون الا للانسان الصّالح في الحسّ والمعنى.

في ماهيّة التصوف وحقيقته - وهو موضوع شائك ملتبس أصيب هذا العصر بافتراء بعض أدعياء العلم ، ومتزعّمي السّلفيّة الجديدة وأعمال الدّخلاء والمدّعين - ارتأينا أن نقدم هذه المقدّمة صورة علميّة حقيقيّة واضحة ، مقتبسة من المصادر الأصلية ، ومن آراء أئمة السلفية وأقطابها ، وأئمة التّصوّف وأعلامه ، وروّاد الفكر الاسلامي المتميز ،كنبراس يستضيئ به القارئ ، أثناء تحليل المواضيع ، وعند إِثبات نصوص الأدلة المشار إِلى بعضها وإِحالتها على مصادرها ، ثم نترك الحكم للباحث المقتدر المتخصّص ، في تقويم الدراسة ونظامها ، ومنهجيتها ومحتوياتها ، وطريقة عرض الآراء بداخلها ، وكيف وقع الفصل في العوامل المتداخلة المتناقضة والتيارات المختلفة في موضوعها... 

ويبدو ممّا تقدم ، وما يأتي أثناء التحليل داخل المباحث ، أن أغلب ما ما يكتب و ما يقرأ اليوم ، لا يعبّر عن التصوف الاسلامي في حقيقته ، وحتّى ما يكتبه البحثون المتصفون فانه لا يعدو أن يكون وضع معالم في طريق البحث عن الحقيقة... وأما المترامون على الكتابة خارج اختصاصهم ، والمرضى بهوس المعارضة و الانكار ، المولعون بالتّشكيك وقلب الحقائق ، فقد خلطوا السّم بالدّسم ، و أبكوا العقول ، و انتجوا الارتكاس بين القيّم ، ونثروا الأشواك في طريق القارئ العادي ، ونحاول - ما أمكن - فكّ الارتباط ، وردّ قطار الحقيقة الصوفيّة الى سكّته ، كحقيقة قلبيّة الهية ، ثم أخلاقية انسانية ربّانية... 

وسنرى في صلب الموضوع ، أن ما أصاب التصوف الاسلامي في التسلّط ليس إِلّا نصيبه ممّا أصاب الدراسات الاسلامية في هذا العصر..إِن الدراسات الاسلامية اليوم قد أصيبت بتصرّف كتّاب تجاوزوا حدود اختصاصهم في مثل الأدب والفلسفة والتاريخ ، أو فشلوا فيها ، وتراموا على القول في الدراسات الاسلامية بفكرتنا قضيّ اللّامسؤول ، مستغلّين الفراغ الواقع بسبب تقاعس أصحابها ، واستوت جوانب أخرى.. فضربت الدراسات الاسلامية في عقر دارها ، فوقعت مشاكل اجتماعيّة دولية معروفة.. والمجتمع الاسلاميّ على كثرة مشاكله في أمسّ الحاجة الى الطمأنينة والسكينة ، بدل البلبلة والتشويش ، والحقيقة الوفيّة وأصحابها أوّل من تلقّى تهجّمات بعض أدعياء العلم ، المطبوعين بطابع المعارضة والانكار ، كما تلقت الشريعة ، خاصة الفقه صفعات طائشة من شباب جاهل بالفقه وأصوله ، وانتحل ّاللّامذهبية" على مثلهم قالوا : "باب الجهاد مسدود" وهو أمام الفقهاء المقتدرين مفتوح الى قيام الساعة. 

والملاحظ أن التخصصات في الأدب والفلسفة والتاريخ والاقتصاد والقانون... محترمة، يتناولها المتخصصون ، وفي الدراسات الاسلامية يكتب ويناقش ويفتي ، ويلاحظ كل من هبّ ودبّ - وواتت الفرصة من أراد أن يتعلم الحلاقة في رأس اليتيم على حساب شرع الله - فتصدر آراء شخصية خاطئة على المفسّرين والمحدّثين والفقهاء والصوفية ، وأزواج الرسول وصحابته ، ممّن يجهل التفسير والحديث والفقه والتصوّف ، وسيرة أزواج الرسول صلى الله عليه وسلّم وحياة أصحابه ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إِذَا أُسْنِدَت الْأَمورُ لغير أَهْلِها فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ). 

على أن الاسلام لا يعتدّ ولا يعمل إِلا برأي المتخصّص ، فيه قال الخليفة عمر : " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ ، فَلْيَأْتِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ، ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ ، فَلْيَأْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَالِ فَلْيَأْتِنِي ، فَإِنَّ اللَّهَ تعالى جَعَلَنِي لَهُ خَازِنًا ، وَقَاسِمًا ". 

وأخيرا ، فهذه إِشارات الى خطوط رئيسية ، ورؤوس أقلام عامة ، ومسؤوليات دينيّة عقديّة ، وصفات أخلاقية وأساليب روحيّة تربويّة ومبادئ إِنسانية ، وتوجّهات قلبيّة ، وحقائق غيبيّة ، ومعاني ساميّة خالدة... كمقدّمة نفتح بها ملفّ هذه الدّراسة ، أمّا عملنا فيعبّر عن نفسه بداخلها ومن خلال أدلّته ، وفّقنا الله جميعا للعودة إِلى الصواب ، والعمل بكتاب الله وسنة رسوله ، ولما فسه مصلحة هذه الأمة ، إِنه سميع مجيب. 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية