الإشارة
قد أخذ الصوفية من هذا الدين القيم ، الذي هدى الله إليه نبيه عليه الصلاة والسلام خلاصته ولبابه.
فأخذوا من عقائد التوحيد : الشهود والعيان على طريق الذوق والوجدان؛ ولم يقنعوا بالدليل والبرهان ، وأخذوا من الصلاة صلاة القلوب ، فهم على صلاتهم دائمون من صلاة الجوارح ، على نعت قوله :{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }.
وأخذوا من الزكاة : زكاة نفوسهم بالرياضة والتأديب وإضافة الكل إليه ( العبد وما كسب لسيده ) مع أداء الزكاة الشرعية لمن وجبت عليه . وكان الشيخ أبو العباس السبتي رضي الله عنه يعطي تسعة أعشار زرعه ، ويمسك العشر لنفسه .
وأخذوا من الصيام : صيام الجوارح كلها ، مع صيام القلب عن شهود السِّوى. وأخذوا من الحج : حج القلوب إلى حضرة علام الغيوب ، فالكعبة تشتاق إليهم وتطوف بهم ، كما تقدم في آل عمران ، ومن الجهاد : الجهاد الأكبر ، وهو جهاد النفوس ، وهكذا مراسم الشريعة كلها عندهم صافية خالصة من الشوائب ، بخلاف غيرهم ، فلم يأخذ منها إلا قشرها الظاهر وعمل الأشباح ، فهي صُور قائمة لا روح فيها؛ لعدم الإخلاص والحضور فيها .
تفسير ابن عجيبة