آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك


بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد : فقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة ، وإن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم في العلم بالغوا في إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل ، فألفت هذه الكراسة في ذلك وسميتها : تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك ، ونبدأ بالحديث الصحيح الوارد في ذلك : 

أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ) وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ، ومن حديث أبي بكرة ، وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة الأنصاري ] قال العلماء : اختلفوا في معنى قوله ( فسيراني في اليقظة ) فقيل : معناه فسيراني في القيامة ، وتعقب بأنه بلا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة ، من رآه منهم ومن لم يره ، وقيل : المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون مبشرا له أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته ، وقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة - يعني بعيني رأسه - وقيل : بعين في قلبه ، حكاهما القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها من البخاري هذا الحديث يدل على أنه من رآه - صلى الله عليه وسلم - في النوم فسيراه في اليقظة ، وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته ، أو هذا كان في حياته ؟ وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته عليه السلام ؟ اللفظ يعطي العموم ، ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه - صلى الله عليه وسلم - فمتعسف ، قال : وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق بعمومه ، وقال على ما أعطاه عقله : وكيف يكون من قد مات يراه الحي في عالم الشاهد ؟ قال : وفي قول هذا القول من المحذور وجهان خطران ، أحدهما : عدم التصديق لقول الصادق - عليه السلام - الذي لا ينطق عن الهوى ، والثاني : الجهل بقدرة القادر وتعجيزها كأنه لم يسمع في سورة البقرة قصة البقرة وكيف قال الله تعالى : ( اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى وقصة إبراهيم عليه السلام - في الأربع من الطير ، وقصة عزير ، فالذي جعل ضرب الميت ببعض البقرة سببا لحياته ، وجعل دعاء إبراهيم سببا لإحياء الطيور ، وجعل تعجب عزير سببا لموته وموت حماره ثم لإحيائهما بعد مائة سنة - قادر أن يجعل رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في النوم سببا لرؤيته في اليقظة ، وقد ذكر عن بعض الصحابة - أظنه ابن عباس رضي الله عنهما - أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فتذكر هذا الحديث وبقي يفكر فيه ثم دخل على بعض أزواج النبي - أظنها ميمونة فقص عليها قصته ، فقامت وأخرجت له مرآته - صلى الله عليه وسلم - قال رضي الله عنه : فنظرت في المرآة فرايت صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أر لنفسي صورة ، قال : وقد ذكر عن بعض السلف والخلف وهلم جرا [ عن جماعة ] ممن كانوا رأوه - صلى الله عليه وسلم - في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها ، فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص ، قال : والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء أو يكذب بها ، فإن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة ، وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن اشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة ، فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك ، انتهى كلام ابن أبي جمرة ، وقوله : إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع  لسنته - عليه السلام - مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف ، وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار ، فلا يخرج روحه من جسده حتى يراه وفاء بوعده ، وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية في طول حياتهم إما كثيرا وإما قليلا بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة ، والإخلال بالسنة مانع كبير.


الحاوي للفتاوي جلال الدين السيوطي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية