إن ما وصل إليه العالم اليوم من تراجع في القيم الأخلاقية دفعته إلى مستنقع الحروب، ونفق الصراعات، وهدم لهذا البناء الإلهي العظيم، إذ أصبح قتل النفس من أهون الأمور، إنما لغياب هذا المعنى العرفاني السامي.
فالإنسان على اختلاف أديانه ومذاهبه وطبقاته ومستوياته يرجع إلى أصل واحد، وهو المعبر عنه في قوله تعالى: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الاَيات لقوم يفقهون) [سورة الانعام/الآية: 99].
فالفقه المقصود في هذه الآية، هو العلم بقدرة الله على الإيجاد والصنع والإبداع، ومن فقه هذه القاعدة واستوعبها فهو العارف العالم بالله الجميل، فلا يعتدي على حرمة هذه النفس، بل يعمل على خدمتها والرأفة بها، لأنها أمانة من الله.
وهكذا يصبح الوجود كله صورة للجمال الإلهي الذي تجلى في مظاهر أكوانه، وإلى هذا مال أصحاب التجربة الروحية المعرفية في الإسلام، وهم الصوفية إذ علموا من قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) [سورة البقرة/الآية: 114] أن المراد بالوجه "هو ما به الشيء حقا، إذ لا حقيقة لشيء إلا به تعالى، فهو عين الحق المقيم لجميع الأشياء، فمن رأى قيومية الحق للأشياء، فهو الذي يرى وجه الحق في كل شيء".
فمن معاني الوجه في اللغة "حقيقة الشيء"، وحقيقة الأشياء في الوجود، أنها تستمد وجودها من الله، وإلا فالله منزه عن المكان، إن العارفين الذين عرفوا الله لا ينظرون إلى العالم من حيث هو صور ومظاهر جميلة فقط، بل إلى أنه لا وجود له ولا روح إلا بوجود الله تعالى، إنه عالم فقير محتاج إلى ربه، وهذه هي المعرفة الكاملة.
د.حكيم الفضيل الإدريسي"بتصرف"