آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ضوابط الأخذ الروحي في الطريقة القادرية البودشيشية (الاجتهاد)

يعتبر الاجتهاد كذلك من ضوابط الأخذ الروحي للطريقة البودشيشية ومن ثمرات الصحبة، ويقصد به الحزم والجد في السير إلى الله، حيث يقول سيدي حمزة :" الطريقة مبنية على الجد والاجتهاد " حيث يتنافى التشوف إلى مقام المعرفة الإلهية مع الكسل وترك الطاعات .والاجتهاد مطلوب في مقام الإسلام والإيمان فما بالك بمقام الإحسان ،وهو صرف الجهد في العمل بالكتاب والسنة إقتداءا متواترا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعدم الانقطاع عن الذكر، وقراءة القرآن وترديدا باللسان والقلب للأذكار والصلاة على سيد المرسلين، واتقانا للفرائض ومداومة على النوافل، وتجنبا للفواحش الصغير منها والكبير، وكف الجوارح عن المعاصي ومحافظة على القلب من ازدراء واحتقار كافة المؤمنين والناس جميعا، ولذا فمدار الاجتهاد هو الشرع في كليته وفي وجوهه المتعددة.


وقد ذهب البعض إلى اعتبار الاجتهاد عند الصوفية هو الزهد والتعبد واعتزال الناس، وهذا أمر فيه نظر، ذلك أن أغلب الصوفية الكرام وخصوصا منهم أهل الإرشاد الروحي، كان منهجهم هو مخالطة الناس بالمعروف والإحسان والمشاركة في نصحهم وحملهم على الإقبال على الله، والناظر في التاريخ الصوفية لن تفوته إدراك هاته الحقيقة.
وهناك دعوى روجها جهًال ومتجاهلين للحقائق، مفادها أن الصوفية قد قالوا بإسقاط التكاليف، وذلك كلام باطل، فلم يعرف عن أهل التوجيه الروحي، سوى الحث على الاجتهاد في التعبد وإتيان الأسباب في تحقيق الكسب، وقد سمعت من شيخي سيدي حمزة :" أن الحكمة كلها في الأسباب سواء تعلق الأمر بالأرزاق المعنوية أو الحسية " وكان ذلك في معرض كلامه عن منهج شيخه سيدي أبو مدين الذي عرف عنه الحرص الشديد على أوقات العبادات والإكثار من الذكر والنوافل، وتجنب اللغو وفاحش الكلام والسعي في الرزق بما يرضي الله.

وهناك من يدعى بأن العمل بمفهوم التحلي قبل التخلي باب من أبواب التساهل في الشرع وتربية على ترك الاجتهاد، والأمر ليس كذلك، فمنهج شيخنا وإن كان يقوم على التدرج بالمريد في إتيان أفعال الطاعات، فإنه لا ينفك يذكرنا دائما بأن ثمرات السير والذكر، لا تتحقق إن كان القلب ملوثا بالمعاصي، حيث يقول " الطريقة تشترط الصفاء "وهو صفاء القلب ليس من الاغيار فقط وإنما قبل ذلك من أوساخ المعاصي، لذلك يوجه المريدين والمريدات على التفقه في الدين، حيث دراسة متن ابن عاشر وشروحه بعد اجتماعات الذكر، كما يشدد على أهمية الطهارة الحسية بضوابطها الشرعية، وبذكرنا دائما باجتهاد شيخه في ذلك وورعه الكبير. وقد سمعت منه بأن " الذي لا يحافظ على الصلوات المفروضة، ولا يصلي صلاة الفجر وصلاة الضحى ونوافل بعد صلاة المغرب، ليس بصوفي ولا متعبد وإنما كذاب " كما يوبخ المريد الذي يكثر من النوافل ويتساهل في الفرائض ويعتبر ذلك من إتباع الهوى.ورغم وجود إقبال الأجانب على الطريقة من مختلف الأجناس ،فإن سيدي حمزة يحملهم برفق على العمل بالشرع ويغرس في قلوبهم محبة سيد المرسلين ويحثهم على الإكثار من كلمة التوحيد لفهم حقائق الدين وبالتالي فالعمل بمبدأ التدرج لا يعني تقديم وصفة لإسلام متساهل في الشرع ومنحصر في حلقات السماع كما يعتقد البعض أو يروج له أعداء التصوف، فمنهج سيدي حمزة مرتكز على المزاوجة بين ترك المعاصي وإتيان الطاعات ثم المجاهدة في تزكية النفس ثم طلب الكمالات الاخلاقية.

ولا ينحصر الاجتهاد عنده في المظاهر التعبدية وإنما يشمل كل الحقوق، حق الله وحق الرسول وحق الصحابة وحق السلف الصالح وحق الوالدين وحق أولي الأمر وحق العلماء وحق المسلمين عامة والناس كافة ثم حق الأشياء، فالتصوف عند سيدي حمزة هو كفاءة شرعية وروحية في تدبير حقوق الخالق والمخلوقات.

خالد ميار الادريسي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية