يعتبر الإقتداء كذلك من ظوابط الأخذ التربوي في الطريقة القادرية البودشيشية ، وهذا مبدأ لا ينحصر تطبيقه في المجال الصوفي وإنما يمتد إلى عدة مجالات أساسية ومنهاا التعليمي .
والإقتداء هو صرف الانتباه إلى نموذج محدد ومشَّخص من أجل الاستفادة منه وإتباعه للظفر بالنجاح الذي حققه. ويراد به في المجال الديني، الاعتقاد في النموذج الأمثل والأكمل للتدين وهو سيد المرسلين، واستحضار سلوكه وأقواله وأحواله باستمرار للأخذ بها والتقيد بها، للظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة ونيل رضا لله ورسوله وصالح المؤمنين.
إن الإقتداء لا يتحقق بدون نموذج حاضر وملموس ومعاين، ولذا فإن الدين الإسلامي لم يصل إلينا فقط عبر أحكام ونصوص، وإنما كذلك عبر سلوك مشّخص متواتر، اعتبر بمثابة التمثل السليم والمقارب للنموذج النبوي. ولهذا الاعتبار ثم النظر إلى عمل أهل المدينة بمثابة فعل نبوي متواتر ومجمع عليه، واعتبر ذلك أصلا في المذهب المالكي.
والإقتداء عند الصوفية هو الالتزام بصحبة الشيخ المربي الذي يتوفر على إذن الإرشاد الروحي، وملازمته ومراقبة أحوله من أجل الإقبال على الله وصرف الجهد في تحقيق تزكية النفس.وقد سمعت من شيخي سيدي حمزة بأنه كان يعرض عمله اليومي على شيخه سيدي أبو مدين ويقتدي به في كل التصرفات ،في تعبده وكثرة ذكره ومعاملتهه لأهله بحكم علاقة القرابة بينهما ،وكان سيدي بومدين حريصا على تتبع أمور مريدهه سيدي حمزة لما كان يتوسم فيه من استعداد كبير للمعرفة الإلهية،حيث كان يتذاكر معهه في قضايا التوحيد وخبايا النفس ودسائسها وخصه بالنيابة عنه في تدبير شؤونن الطريقة وذلك بموجب وثيقة عدلية لازال يحتفظ بها شيخنا،وهذا الاهتمام كان ناتجا عن الارتباط الشديد لسيدي حمزة بشيخه،والحرص على الاقتداء به ،حيث يذكرنا مرارا "ورثت من سيدي بومدين الخوف من الله وتعظيم ومحبة سيد المرسلين وخدمة الناس وقضاء حوائجهم والنصح لهم".
وهكذا لا يتحقق الإقتداء بدون شروط أساسية، وهي الإقرار الباطني بالحاجة إلى معرفة الله، ثم الثقة في الصاحب المربي بأنه قادر على حمل المريد إلى إتيان أفعالل التأسي بالنموذج الأكمل وهو مبدأ المرسلين، ثم شرط المسارعة في الامتثال لأوامرر الشرع تم تغليب مصلحة الدين على مصلحة الهوى تم النظر في السلوك هل هو موافق للمقتدى به أم مخالف.
وأساس الإقتداء هو المحبة والصدق في طلب وجه الله، ولذا قال الشاطبي :"الأصل في ترك الإقتداء هو إتباع الهوى" الموافقات.
ولا يخفى على أصحاب الفهم أن أزمة العالم المعاصر تكمن في غياب النموذج الذي يمكن الإقتداء به، حيث عمت الفوضى السلوكية، واجتاحت العالم نماذج سطحية وبليدة وبعيدة عن السمو الأخلاقي والديني.
فالعولمة الثقافية، ساهمت في الترويج لظاهرة النجومية السطحية، وهي ظاهرة يوجهها فكر ما بعد الحداثة الذي لا يؤمن بالمرجع الصلب أو الأساس أو الماهية، كما يحتفي بالنسبانية الأخلاقية التي تساوي بين القبيح والحسن.
ولا تؤمن مابعد الحداثة بفكرة المعلم أو النموذج الحامل للحقيقة، و تعتبر ذلك من مظاهر تسلط المؤسسة (دولة – الدين – العائلة – الجامعة – المدرسة...).
كما أن الفكر النسوي ما بعد الحداثي، ساهم في تدمير مؤسسة العائلة، باعتبار أن "الأبوية " نظام قمعي تسلطي، يكرس دونية المرأة،ولذلك نجد الخطاب النسوي الراديكالي يطالب باسقاط المرجعية القيمية الحداثية ،فما بالك بالمرجعية الدينية التقليدية .
إن الفكر ما بعد الحداثي يروج للإنسان الهجين المفصول عن الأصل، والتربية الصوفية الحقيقية تسعى لبناء الإنسان المتصل المرتبط بالأصل ،إن مسألة الإقتداء هي مرتكز البقاء الإنساني.
خالد ميار الادريسي