ومن الناس من تحجبه المجاهدة عن المشاهدة فتسطو عليه الأحوال , فتحول بينه وبين الغاية القصوى .
ومناهج الخلق متفاوتة لا تجري على منهاج واحد . قال الله تعالى :
- ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )
- ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ) .
وكل شخص إنما يعبر عن وجهته التي خصه الله بها , ولذلك كان النظر في الكتب يضعف المسالك لتشعبها وكثرتها عند اختلاف الهمم لا سيما من جبلت طبيعته على علم الظاهر , فإنه أبعد الناس عن الطريق , ما لم يداركه الله بفتح منه , لأن التشريع كل حكمة تحتها حكم , من لم يفهمها فبستانه مزهر غير مثمر , ومن هنا وقع الإنكارحتى امتحن الله كثيراً من الصوفية على أيدي علماء الظاهر , عندما نسبوهم للكفر والزندقة والبدعة والضلال . وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة :
- ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا )
- ( ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون )
وما هلكت الأمم السابقة إلا بقولهم :( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) .
فتحصل أن الإنسان إذا جال مع النفس في ميدانها فجاهدها حتى هذبها وطهرها من الأوصاف الحاجبة لها , رجعت نفسه حينئذ إلى أصلها وهي الحضرة التي كانت فيها , إذ لم تكن بينها وبين الحضرة إلا الحجب الظلمانية , فلما تخلصت منها رجعت إلى أصلها نوراً مشرقاً في قالب ظلمانى فصارت عنده ياقوتة مكنونة تطوى عليها أصداف المكنونات .