القلب إذا أحب شيئاً أقبل إليه خضع له ، وأطاعه في كل ما يأمره" إن المحب لمن يحب مطيع "وهذه حقيقة العبودية ، الخضوع والطاعة , وليس للقلب إلا وجهة واحدة وليس للإنسان إلا قلب واحد ، قال تعالى:{ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}(1) وإذا كان للقلب وجهة واحدة فمهما أقبل بها على مولاه أعرضعما سواه وكان عبدا له حقيقة ، وإذا أقبل على هواه أعرض قطعاً عن مولاه وكان عبداً لسواه ، والحق سبحانه لا يرضى لعبده أن يكون عبداً لغيره قال تعالى في ذم من كان عبداً لهواه :{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ}(2) فالآية نص في ذم من أحب هواه واتخذ ربا من دون مولاه وقيل للجنيد : من العبد ؟ قال : من بقي في قلبه أدنى علاقةغير الله لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم . قيل له : ومن الحر ؟ قال : من تخلص من رق طبعه ، واستنقذ قلبه من شهوات نفسه .
واعلم أن من تخلص من رق طبعه واستنقذ من أسر نفسه فقد تحقق بمحبة ربه ، والمحبة لها بداية ووسط ونهاية فأول المحبة وبدايتها ملازمة امتثال الأمر واجتناب النهي ، قال تعالى :{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }(3)ووسطها لهج اللسان بالذكر ، وتعلق القلب بشهود المحبوب ونهايتها لا تدرك بالعبارة ، ولا تلحقها الاشارة .
روى أن أبا يزيد رضي الله عنه كان بحذاء المنبر فقرأ الخطيب :{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } (4) فصبر نفسه حتى طار الدم من عينه ، فهذه المعاني لا تدركها العامة ولا الخاصة ، وإنما يذوقها خاصة الخاصة.
ومعنى محبة الله لعبده حين يقبل عليه هو تقريبه لحضرته وهدايته لمحبته من غير نفع له في ذلك ، إذ لا تنفعه طاعة من أقبل عليه ولا تضره معصية من أدبر عنه ، إذ هو غنى عن الكل.
----------------------------
(1) الآية 4 سورة الأحزاب
(2) الآية 23 سورة الجاثية
(3)الآية 31 سورة آل عمران
(4)الآية 67 سورة الزمر