لقد أكرمك الحق تعالى أيها الإنسان كرامات كثيرة وأنعم عليك نعماً غزيرة قال تعالى :{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وأجلُّ الكرامات وأَعظمُها كرامات الذِّكْر .
ففي الحديث :( ما من يوم إلا ولله فيه نعم ينعم الله بها على عباده وما أنعم الله على عبد أفضل من أن يلهمه ذكره) كما قال عليه السلام، ذكره المنذر. ومرجع هذه الكرامات إلى ثلاثة أمور :
الكرامة الأولى : جعلك ذاكر له ومن أين لعبد ذليل أن يذكر سيداً جليلاً، ولولا فضله عليك لم تكم أهلاً لجريان ذكره على لسانك.
الكرامة الثانية : جعلك مذكوراً به حيث ذكرك بنفسه حين ذكرته قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وإذا كنت مذكوراً بسبب ذكره بك فقد ثبتت خصوصيتك عنده، فأي كرامة أعظم من هذه فقد حقق نسبته لديك حيث أثبت لك الخصوصية، وقال لك : يا وليي ويا صفي فمن أين أنت وهذه النسبة لولا أن الله تفضل عليك. قال بعضهم في تفسير قوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أي ولذكر الله لعبده أكبر من ذكر العبد لله.
الكرامة الثالثة : حيث جعلك مذكوراً عنده في الملائكة المقربين ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً). وفي حديث آخر : (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا، يَذْكُرُونَ اَللَّهَ إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) وكان يحيى بن معاذ رضي الله عنه يقول : (يا غفول يا جهول لو سمعت صرير القلم حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لمت طرباً)