إن الصورة الشائعة عن الصوفية خصوصا بعد أن حكم عليها أعداؤها بالفسق والفجور والبدعة التي ما انزل الله بها من سلطان وهي بعيدة عنها بعد الأرض عن السماء.
فالتصور الخاطئ عن الصوفية أنها بهدلة ذهنية ورقصة بدنية وبدع دينية وحياة تقشف لا منطقية، وهذه الادعاءات بعيدة كل البعد عن الصوفية، وإن حصل بعض من هذه الهنات فلا نتركها لخطأ في الممارسة، ففي الإسلام من يسرق ولكن ليس من الإسلام، وفي الإسلام من يغش ولكن ليس من الإسلام، ومن الصوفية من يمارس بعضا من الأخطاء، ولكنه ليس من أهلها وخاصتها الكرماء..
لذا كان لزاما علينا أن نترافع وندافع عن الجهل الواقع بها «والإنسان دوما عدو ما يجهل»، فالقاعدة الشرعية تقول «لو تعارفنا لتآلفنا»، فالصوفية كتاب ضخم لم نقرأ منه سوى السطر الأول، والطريق إليها طويل جدا وسهل جدا إن أحسنا الظن وقرأناها بعين الرضا يقول الشاعر:
«وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. سوى ان عين السخط تبدي المساويا».
فإن الصوفية إذا نسبت لأهل الصفة فلا يعيبها..
وإذا نسبت إلى لبس الصوف فلا يزينها.
وإذا نسبت إلى «صوفيا» بمعنى الحكمة فلا يشينها..
وإذا نسبت إلى تحسين الأخلاق فهذا ديدنها..
وإذا نسبت إلى الاصطفاء والصفاء والمصافاة والفناء في البقاء فان هذا هو معينها..
فكلمة صوفي ليست اسما وإنما فعل ماض مبني للمجهول كأن نقول «صوفي الرجل» و«عوفي المريض». إن أصل كلمة الصوفية أتى من الصفاء والمصافاة يقول تعالى: «يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ».
والتصوف تعلم الناس حسن الخلق «وخالق الناس بخلق حسن» فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالتصوف..
إن الصوفية أعطاهم الله أجهزة الكشف عن جواهر الدين، وأرواحهم تاقت لمعرفة مكنوناته وأسراره فهم أهل الله وخاصته، وليس معقولا أن من يكتشف شيئا من خبايا الكون يقال إنه أضاف للكون شيئا جديدا! كمن اكتشف الجاذبية الأرضية لا يقال له إن أضاف اليها شيئا.
الصوفية لا تعطون العهد لعاطل اقتداء برسول الله الداعي لترجمة القول إلى عمل، لذلك فهم أهل عمل لا أهل كسل وعالات على قومهم، فهم يعمرون أوطانهم لا يخربونها، ولا يشتهون ما بأيدي الناس من مال أو جاه أو سلطان.
والصوفية لا يكفرون مسلما إلا بجحود بما أقر به الإسلام، ولا يفسقون الناس ولا يبدعونهم ولا يرون العيب إلا في أنفسهم ويعملون بوصية المصطفى «يسروا ولا تعسروا» وكان النبي يقصد بهذا الحديث توجيه المسلمين إلى أن يكونوا مكتشفين ومخترعين لكل شيء يؤدي إلى تيسير حياة الناس ويدعوهم إلى الإصلاح في الأرض ويسبقوا العالم وتكون أيدي المسلمين هي العليا يمدونها إلى الناس عطاء.
الصوفية ليسوا مشعلين للفتن ولا أطرافا في الصراعات على الدنيا ولكنهم أهل تنافس على الآخرة «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ».
الصوفية يوقنون أن حب الوطن من الإيمان فلا يحاربون بني وطنهم، فهم رحماء في ما بينهم.
الصوفية لا يؤمنون بالصدفة فليس في علم الله صدفة «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ».
تعدد الطرق الصوفية فهو تعدد في الوسائل وأساليب التدريس، فالمنهج واحد وطرق تعليمها مختلفة وهو أمر لمصلحة الصوفية وليس عليها..
الصوفية تنشر الخير بين الناس ذات اليمين وذات الشمال وتساعد على توحيد الناس على كلمة سواء بالحكمة والموعظة الحسنة، وآية ذلك أن غالبية علماء الدين السابقين نراهم من الصوفية البررة الذين عملوا بما علموا وعلموا الناس سماحة الدين لا غلظة القلوب ولغة الحروب بين المسلمين بين بعضهم البعض.