الحرية مقام إنساني وتركها أعلى .
أخذ مبحث الحرية الإنسانية مساراً خاصّاً في الفكر الصوفي، يختلف -في منطلقه ووجهته وقصده- عن مساره المتّبع في حقلي الفقه وعلم الكلام. ولكن هذا الاختلاف ليس تناقضاً وإنّما يؤسس لتكامل علمي وحياتي في الإسلام ولدى المسلمين.
لقد تطرّق الفقهاء إلى مسألة الحرية الإنسانية في سياق تشريعي، ونظروا إلى الشخص الحر على أنّه صاحب السيادة على نفسه في مقابل العبد المملوك من شخص آخر. وفي إطار التشريع عملوا على إرساء أحكام فقهية تلحظ عبادة المسلم غير الحرّ، وطرحوا أسئلة من أمثال: هل تَجِب صلاة الجمعة على العبد؟ وهل تَجِب الزكاة على العبد؟ وغير ذلك.
أمّا علماء الكلام فقد قابلوا الغيب بالشهادة، وتوسّعوا بالجدل حول الحرية الإنسانية وشروط الفعل الإنساني وحدوده. لقد تفكّروا في مسألة حرية الإنسان -مطلق إنسان- وقدرته على الفعل مستقلاً في مقابل إرادة الله، وجاءت آراؤهم تحت مباحث متداخلة مع الحرية ومُصَاحِبَة لها، منها: (القدرة الإنسانية)، (الإرادة الإلهية)، (الجبر والاختيار) أو (التسيير والتخيير)، (الكسب)، (القضاء والقدر)، (خَلْق الأفعال)، (التكليف)، (العدل الإلهي)، (المسؤولية الإنسانية)، وغير ذلك.
وإذا نظرنا في نصوص الصوفية التي واكبت إطلالتها لنشأة الحقلين المذكورين، نجد أنّ رجالات هذا الميدان كشفوا عن معنى أصيل للحرية الإنسانية. ويتجلّى هذا المعنى في تحرير الإنسان لإرادته من كلّ عائق أو شاغل، داخلي أو خارجي، ومن كلّ خوف أو مَطْمَع يُلجئه إلى إتيان ما لا يشاء أو تحوير ما يشاء. لقد تعامل الصوفية مع الحرية على أنّها نتاج جهد ومجاهدة وليست معطى إنسانيّاً، وعلى أنّها (حالة معيوشة) تتحقّق في جدليّة مع العبودية لله.. فالإنسان يتحرّر بمقدار عبوديته لله: كلما تحقّق بالعبوديّة الخالصة لله يصبح حراً مخلَّصاً من كلّ ما سوى الله حتى من نفسه، وفي المقابل إن حقّق حريته من نفسه ومن الأغيار أصبح عبداً محضاً لله.
وسوف نحاول عبر مباحث خمسة رسم المجالات الأساسية للرؤية الصوفية في موضوع الحرية الإنسانية:
1– عبودية الإنسان
ربط الصوفية بين الحرية وبين العبودية. فالحرية تزيد وتنقص بمقدار زيادة العبودية ونقصانها. ونطرح على الفكر الصوفي الأسئلة: ماذا أو مَنْ يستعبد الإنسان؟ وهل تتساوى (العبوديات) في أثرها على الإنسان؟ وهل كلّ عبودية تحبس الإنسان عن الحركة والتطور والنماء وتحقيق إمكاناته أم توجد عبودية وعبودية.. عبودية معيقة وعبودية محرّرة؟
ونفتح دواوين الصوفية لنجلّي رؤيتهم للعبودية، فنجد أننا أمام أربعة مجالات من العبودية امتدّ إليها القول الصوفي:
العبودية الظاهرة
وهي عبودية مادية ترخي بأثقال وجودها على جسد الإنسان وعالمه المحيط. فالمملوك هو فاقد السيادة على جسده وعلى عالمه، وكذا المسجون والمستعمَر، وإن بنِسَب مختلفة.
فكلّ عائق خارجي يحدّ من حرية الإنسان في جسده ومحيطه ويصادرها -بحق أو بغير حق- هو نوع استرقاق وجزء عبودية. ؛ وذلك لأنّ فقدان الإنسان لسيادته على ذاته وعالمه وخسرانه لاستقلاله في الوجود يصبّان –ظاهراً- في عبودية مادية خارجية.
وقد قدّم الصوفية آراء فقهية جديرة بالاهتمام في مسألة الرقّ، إذ اعتبروا فيها أصل الحرية وإقرار الشخص، يقول ابن عربي: (العبد إذا اشتراه الإنسان من غيره فمن شرطه أن يقرّ العبد لبايعه بالملك، ولا يسمع مجرد دعواه في أنّه مالك له، ولا يقوم على العبد حجّة بقول سيده ما لم يعترف هو بالملك له. ويغفل عن هذا القدر كثير من الناس. فإن الأصل الحرية، واستصحاب الأصل مرعي. وبعد الاعتراف بالملك صار الاسترقاق في هذه الرقبة أصلاً يستصحب حتى يثبت الحرية إذا ادَّعاها، هكذا هو الأمر)(1).
كما شارك الصوفيةُ الفقهاءَ حوارهم حول أحكام العبادة المفروضة على العبد المملوك، فأورد ابن عربي في الفتوحات مسائل اختلف فيها العلماء وعدّد أقوالهم وأثبت مذهبه، ومنها: أنهم اختلفوا في وجوب صلاة الجمعة على العبد، ورأى ابن عربي أنها تجب على العبد، فللعبد أن يتأهب فإن منعه سيده فيكون السيد من الذين يصدّون عن سبيل الله(2). ومنها أيضاً: أنهم اختلفوا في وجوب الزكاة على العبد على ثلاثة مذاهب، ورأى ابن عربي أنها واجبة؛ لأنّ الزكاة حق أوجبه الله –سبحانه- في عين المال ولا يراعى المالك، فالزكاة أمانة بيد من هو المال بيده، وما هو مال للحرّ ولا للعبد(3).
العبودية الباطنة
وهي عبودية معنوية تسترقُّ الإنسان من الداخل ويستسلم لها، بوعي منه وأحياناً في غيبة وعي.وهذه العبودية المعنوية تقيّد بأصفادِ الخوف والطمع وجدان الإنسان، وإن كان -في الظاهر- متربعاً على عرش إمبراطورية عظمى. فما كلّ حرّ في الظاهر هو حرّ في الحقيقية والواقع، وكم من سجين لا يملك حريّة خطوة أو كلمة ومع ذلك يشعر بأنّه يمتلك الكون بأسره؛ لأنّه يمتلك ذاته ويعيش هويته الحقيقية بعيداً عن كلّ تزييف. وفي هذا المعنى يقول أبو علي الدقاق: (أنتَ عبدُ من أنت في رِقّه وأسره؛ فإن كنت في أسر نفسك فأنت عبدُ نفسك، وإن كنت في أسر دنياك فأنت عبدُ دنياك)(4).. أما الفضيل بن عياض فيقول: (ترك العمل لأجل الناس هو الرياء، والعمل لأجل الناس هو الترك)(5).. ويستشهد القشيري في هذا السياق بالحديث النبوي الشريف قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة (كساء أسود مربع من خزّ أو صوف))(6).
ويجعل الجنيد البغدادي تحرُّر الصوفي من كلّ ما يسترقه -من خارج ومن داخل- خطوة أولى على طريق السلوك.. يقول معرّفاً التصوّف بأنّه: (تصفية القلب عن موافقة البريّة، ومفارقة الأخلاق الطبيعيّة، وإخماد الصفات البشريّة، ومجانبة الدواعي النفسانيّة، ومنازلة الصفات الروحانيّة، والتعلّق بالعلوم الحقيقيّة، واستعمال ما هو أولى على الأبديّة، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله على الحقيقة، واتباع الرسول في الشريعة)(7).وأيضاً في إطار التحرر من الشهوات الباطنة والذي يؤدي وظيفة اقتصادية واجتماعية، ما حدث لابراهيم بن أدهم، قيل له: (إن اللحم قد غلا، فقال: أرخصوه. أي لا تشتروه. وأنشد في ذلك:
وإذا غلا شيء عليَّ تركته
فيكون أرخص ما يكون إذا غلا(8)
العبودية للأسباب
انتقد الصوفية واقع وقوف عامة الناس مع الأسباب وانحجابهم بها عن الله -سبحانه-، المسبّب للأسباب. وتعارفوا على السبب بأنّه كلّ أمر ظاهر تتحقّق معه مصلحة (= طمع) أو تندفع به مضرّة (= خوف). وهنا يجد الصوفية أنّ الخطر كبير، إذ قد يتحوّل السبب الظاهر إلى حجاب على المسبّب. يقول الجريري: (عبيدُ النِّعم كثير عديدهم، وعبيدُ المنعِم عزيزٌ وجودهم)(9).
وحين نبّه الصوفية على خطر حجاب الأسباب لم ينزعوا إلى رفعها ولم يطالبوا الآخرين بذلك.. جلّ ما في الأمر، أن الصوفي ينتبه من الوقوف مع السبب ويحرص على العبور منه بشهود مسبّب الأسباب.. فهو –تعالى- الرازق من وراء حجب الأغيار، وهو تقدّس اسمه الشافي والمعافي بالأطباء والأدواء. يقول النِّباجي: (أصل العبادة في ثلاثة أشياء: لا تَرُدَّ من أحكامه شيئاً، ولا تَدَّخر عنه شيئاً، ولا يسمعك تسأل غيره حاجة).
ونفهم قول النباجي على مبدأ أنّ الصوفي لا يسأل إلا الله سبحانه، وإن حَدَث وطلب من أحد شيئاً فهو يطلب بظاهره ويؤدي حق الطلب بشكر السبب، وفي الوقت عينه فإنّه ينظر إلى أنّ النعم كلّها هي من عند الله –سبحانه-. يقول الجنيد البغدادي: (من فارق الجماعة بجسمه وقع في الضلال، ومن خالط الناس بسرِّه افتُتن بهم، ومن افتُتن حُجب عن الحقّ بالطمع في الخلق)(10).
وقد حبّر الصوفية الصفحات في (قطع العلائق) وهي الأسباب التي تشغل الإنسان وتقطعه عن الله -تعالى-(11)، يقول أبو سعيد الخراز: (أهل التوحيد قطعوا منه العلائق، وهجروا فيه الخلائق، وخلعوا الراحات، وتوحشوا من كل مأنوس، واستوحشوا من كلّ مألوف)(12).. ويقول محي الدين بن عربي: (فإنّ الأسباب قد استرقّت رقاب العالم)(13).. ويقول الجنيد في السياق نفسه: (إنّ الحقائق اللازمة، والقصود القويّة المُحْكَمة، لم تُبق على أهلها سبباً إلا قطعته، ولا معترضاً إلا منعته، ولا تأويلاً مُوهماً لصحّة المراد إلا كشفته)(14)، ويقول أيضاً معرّفاً التصوف بأنّه: (لحوق السر بالحقّ، ولا يُنال إلا بفناء النفس عن الأسباب، لقوّة الروح والقيام مع الحق)(15).
العبودية لله سبحانه
فرّق الصوفية بين نوعين من العبودية بالنظر إلى آثارها على الإنسان: فهناك عبودية مهلكة تمسخ وجدان الإنسان ووجوده، وتزيّفه بملصقات تحجب الذات الحقيقية، وهي العبودية للأسباب. وهناك عبودية منمّية يحقق فيها الإنسان أقصى إمكاناته، وهي العبودية لله.
إنّ العبودية لله هي الدرب الأوحد للحرية الإنسانية في المنظور الصوفي، فلا يُحرّر الإنسانَ حقّاً إلا توحيدُه لله . لقد أعطى الصوفية بُعْداً معيوشاً للتوحيد الإلهي وجعلوه مرجعاً ومعياراً للحرية الإنسانية.
وهذه العلاقة الجدليّة بين عبوديّة الإنسان لله وبين حريته هي مجال لقاء وإجماع بين الصوفيين على اختلاف مشاربهم الذوقية، وعلى تعاقبهم في الأجيال منذ بداية ظهور النص الصوفي وإلى اليوم. يقول الجنيد البغدادي: (لا تكون عبد الله بالكليّة، حتى لا تُبقي عليك من غير الله بقيّة)، ويقول أيضاً: (لا تكن عبد الله حقاً، وأنت لشيء سواه مسترقّاً)، ويقول أيضاً: (إنك لن تكون له على الحقيقة عبداً، وشيء مِمَّا دوّنه لك مُسْتَرقٌ، وإنك لن تَصل إلى صريح الحرية، وعليك من حقيقة عبوديته بقيّة. فإذا كنتَ له وحده عبداً، كنت مِمَّا دونه حُرّاً)(16).
ويعرّف محي الدين بن عربي العبودية بأنها مقام الذلَّة والافتقار؛ يقول: (فالعبد معناه الذليل، يقال أرض معبّدة أي مذلَّلة. قال الله (الذاريات/ 56): ﴿وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، وما قال تعالى ذلك في غير هذين الجنسين؛ لأنّه ما ادّعى أحد الألوهية ولا اعتقدها في غير الله ولا تكبّر على خلق الله إلا هذان الجنسان، فلذلك خصّهما –سبحانه- بالذكر دون سائر المخلوقات. فقال ابن عباس معناه (ليعرفوني)، فما فسّر بحقيقة ما تعطيه دلالة اللفظ، وإنّما تفسيره ليذلّوا لي، ولا يذلّ له من لا يعرفه، فلا بدّ من المعرفة به أولاً وأنه ذو العزّة التي تذلّ الاعزّاء لها، فلذلك عَدَل ابن عباس في تفسير العبادة إلى المعرفة، هذا هو الظن به. ولم يتحقق بهذا المقام على كماله مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عبداً محضاً، زاهداً في جميع الأحوال التي تُخرجه عن مرتبة العبودية)(17).
وهكذا عرّف ابن عربي بالخاصيّة الذاتيّة للعبودية وأنها الذلّة والافتقار، وفي الوقت نفسه فسّر شرح ابن عباس للآية الكريمة مبيناً انتقال الدلالة اللغوية من العبادة إلى المعرفة بتوسّط الذلّة والافتقار.
ويُجْمع الصوفية على أنّ العبودية لله سبحانه هي ذاتيّة لازمة للإنسان لا ينفكّ عنها.. يقول ذو النون المصري: (العبودية أن تكون أنتَ عبده في كل حال، كما أنّه ربّك في كلِّ حال)(18).. ويقول أبو علي الدقاق: (كما أنّ الربوبية نعت للحق –سبحانه- لا يزول عنه، فالعبودية صفة للعبد لا تفارقه ما دام)(19).. ويقول شيخ الصوفية الأكبر محي الدين بن عربي: (فنحن بحكم الأصل عبيد عبودية لا حرية فيها)(20).
وكما أجمع الصوفية على لزوم العبودية للإنسان فقد أجمعوا على أن مقام العبودية أشرف من مقام الحرية، والإنسان يَشْرُف باسم العبد ويعلو. يقول ابن عربي: (مقام العبودية أشرف من مقام الحرية في حق الإنسان).. ويقول السراج الطوسي: (وما سمّى الله تعالى المؤمنين باسم أحسن من اسم العبد)(21). ويقول أبو علي الدقاق: (ليس شيء أشرف من العبودية، ولا اسم أتمَّ للمؤمن من الاسم له بالعبودية؛ ولذلك قال سبحانه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج: ﴿سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى﴾، وقال -تعالى-: ﴿فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ﴾؛ فلو كان اسمٌ أجلَّ من العبودية لسمّاه به (22).. ويقول النصرابادي: (قيمة العابد بمعبوده، كما أنّ شرف العارف بمعروفه).
وقد نبّه في هذا المنحى السراج الطوسي على فرقة ضلّت في الحرية والعبودية، ويورد في كتابه (اللمع) تحت عنوان: (باب ذكر من غلط في الأصول، وأدّاه ذلك إلى الضلالة) ما نصّه: (وقد صنّف شيخ من المشايخ كتاباً في مقامات الأحرار والعبيد (...) فظنّت الفِرقة الضالة أن اسم الحريّة أتم من اسم العبودية، للمتعارف بين الخلق: أن الأحرار أَعْلَى مرتبةً، وأسْنَى درجة في أحوال الدنيا من العبيد، فقاست على ذلك، فضلّت، وتوهّمت: أنّ العبد، ما دام بينه وبين الله تعالى تعبّدٌ: فهو مسمّى باسم العبودية، فإذا وصل إلى الله فقد صار حرّاً، وإذا صار حراً سقطت عنه العبودية. وإنّما ضلّت هذه الفرقة، لقلّة فهمها وعلمها، وتضييعها لأصول الدين). ويتابع الطوسي موضحاً موضع ضلال هذه الفرقة؛ فيقول: (خَفِيَت على هذه الفرقة الضالة أن العبد لا يكون في الحقيقة عبداً، حتى يكون قلبه حراً من جميع ما سوى الله، ، فعند ذلك يكون في الحقيقة عبداً لله).
2– الحرية بمعنى التحرّر
تذوّق الصوفية حضور الآخرين فيما بينهم وبين أنفسهم وفيما بينهم وبين ربّهم، وخبروا أثر هذا الحضور على عباداتهم وعلى معاملاتهم، وانتهوا إلى ضرورة تصفية القلب عن البَريّة، يقول محي الدين بن عربي: (من لم تمت في صدره العوالم فهو محجوب)(23).وقد عرّف السراج الطوسي (الحريّـة) ضمن معجمه في (اللمع) بالقـول: (و(الحريّة) إشارة إلى نهاية التحقق بالعبودية لله تعالى، وهو أن لا يملكك شيء من المكونات وغيرها، فتكون حُرّاً إذا كنت عبداً، كما قال بِشْر لسرِىّ ـ رحمهما الله ـ فيما حُكي عنه أنه قال: إنّ الله تعالى خلقك حُرّاً، فكن كما خلقك، لا تُرائي أهلك في الحضر، ولا رُفقتك في السفر، إعمل لله ودع الناس عنك)(24).أما الإمام القشيري فقد أفرد باباً في رسالته للكلام على الحريّة الإنسانيّة، وجمع ما ثبت لديه وقَبِلَه من أقوال العارفين في هذا المجال، ودمج قوله بقولهم فتكلّم معهم وعلى ألسنتهم. وعند النظر في هذا الباب نرى المعاني تتضافر لتؤكّد بأنّ رجالات الصوفية وصولاً إلى القرن السادس الهجري فهموا الحرية الإنسانيّة على أنّها فعل تحرّر من النَّفْس أولاً (= الشهوات والأهواء...) ثمّ من الخَلْق (= كلّ من يشغل عن الله سبحانه ويقطع بالسالك). يقول القشيري: (الحرية: أن لا يكون العبد تحت رقّ المخلوقات، ولا يجري عليه سلطان المكونات، وعلامة صحته: سقوط التمييز عن قلبه بين الأشياء، فيتساوى عنده أخطار الأعراض. قال حارثة لرسول الله : عزفت نفسي عن الدنيا؛ فاستوى عندي حجرُها وذهبُها)(25).
إذن هذا التحرّر الوجداني الداخلي يشهد له في الظاهر زهد النفس ورضى القلب.. ويتبع القشيري نصوص العارفين فيوسّع ميدان التحرُّر ليشمل مغريات الآخرة مع مشتهيات الدنيا، فينقل عن إبراهيم بن أدهم قوله: (إنّ الحرّ الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يُخرَج منها)(26).. وينقل عن أبي علي الدقاق قوله: (من دخل الدنيا وهو عنها حُرٌّ ارتحل إلى الآخرة وهو عنها حُرّ)(27). فالحرّ هو من كان عبداً صرفاً لله –سبحانه- مخلَّصاً من الأشياء ومن الخَلْق أجمعين.. والنَّفْس أول الخَلْق.
وقد يتبادر للذهن أنّ هذا المشروع الإنساني مستحيل التحقّق، وفي الوقت نفسه لا يحرّك في الوجدان دافعاً لركوب بحره.. وهنا نطرح للتفكّر مسألة علاقة التحرّر من رقّ النفس والأكوان بتوحيد الله –سبحانه-، وبالكرامة الإنسانيّة أيضاً، ونلوّح برشف قطرات من كأس الصوفية تجرّحنا طرفاً من العبوديّة الحقّة والكرامة الحقّة في التوحيد، وما لا يُدرَك كلّه لا يُترَك كلّه.
ونلاحظ أنّ القشيري لا يتحرّج في الأخذ عن الحسين بن منصور الحلاج ويثبته ضمن رجالات رسالته، ويقتبس منه قولين في مجال الحريّة الإنسانيّة: القول الأَوَّل: يجعل الحريّة ناتج العبوديّة، يقول: (من أراد الحريّة فليصل العبوديّة)، أي يواليها ويديم عليها(28). والقول الثاني: يقدّم معنى جديداً للحريّة يُشعر ظاهره بالراحة من العبوديّة وتجاوزها، يقول: (إذا استوفى العبد مقامات العبوديّة كلّها يصير حراً من تعب العبوديّة، فيترسّم بالعبودية بلا عناء ولا كلفة، وذلك مقام الأنبياء والصديقين)(29)، وإلى المعنى نفسه ذهب بشر الحافي حين قال: (من أراد أن يذوق طعم الحريّة، ويستريح من العبوديّة، فليطهّر السريرة بينه وبين الله تعالى)(30).
وهذا المعنى للحريّة الإنسانيّة المواكب للعبوديّة لله ، والمتمثّل في المجاهدة للتحرّر من العوائق والعلائق والقواطع كلّها، شكّل المعنى الأول للحريّة عند الصوفية. بل أكاد أقول المعنى الرسمي الذي تتحدّد قياساً عليه – وتجاوزاً له – المعاني الأخرى. يقول ابن عربي متابعاً هذا المعنى: (فإنّ الكل ملك لله فلا حريّة عن الله. فإذا أضيفت الحريّة إلى الخَلْق فهو خروجهم عن رقّ الغير لا عن رقّ الحقّ، أي ليس لمخلوق على قلوبهم سبيل ولا حُكْم، فهذا معنى الحرية في الطريق)(31).. ويقول أيضاً مؤكّداً المعنى المتداول: (فالحريّة عند القوم (= الصوفية) مَنْ لا يَسْتَرقّه كَوْن إلا الله، فهو حرّ عما سوى الله، فالحريّة عبوديّة محقّقة لله..)(32).. ويقول منبئاً بالتجاوز: (الحريّة عند الطائفة الاسترقاق بالكلية من جميع الوجوه فتكون حراً عن كلّ ما سوى الله، وهي عندنا...)(33).
إذن يثبت ابن عربي المعنى الأول المتداول والمُجْمَع عليه للحريّة الإنسانيّة، ثم يتجاوزه مقدّماً فهماً جديداً وتجربة جديدة لذوق الحريّة، سوف نكشف عنه في المبحث الثالث.
ونختم هذا المبحث الثاني بالقول، إنّ التحرر هو مشروع إنساني ولّد العديد من البرامج العمليّة في دواوين الصوفيّة، فالصفحات أو الكتب المخصصة لمقامات الطريق الصوفي أو منازله هي في الواقع خطوات متوالية عمليّة اكتسابيّة للتحقّق بالعبوديّة الحقّة، بالحريّة. يقول سهل بن عبد الله منبّهاً على الربط بين المجاهدة والعبوديّة، بين السلوك والحريّة: (لا يصحّ التعبّد (= تعبّد الله –سبحانه-) لأحد حتى لا يجزع من أربعة أشياء: من الجوع، والعري، والفقر، والذلّ. ويحسم الجنيد بالقول: (آخر مقام العارف، الحريّة).
3– حال الحريّة
فرّق الصوفية بين الحال والمقام. ويشرح القشيري هذين اللفظين بالقول: (والمقام: ما يتحقّق به العبد بمنازلته من الآداب، مِمَّا يُتوصَّل إليه بنوع تصرُّفٍ، ويُتحقّق به بضرب تطلُّب، ومقاساة تكلُّف. (...) وشرطه: أن لا يرتقي من مقام إلى مقام آخر، ما لم يستوف أحكام ذلك المقام، فإن من لا قناعة له لا يصحُّ له التوكّل، ومن لا توكّل له لا يصحّ له التسليم...)(34)، ويقول: (والحال عند القوم: معنى يَرد على القلب من غير تعمُّد منهم، ولا اجتلاب، ولا اكتساب لهم (...) فالأحوال: مواهب، والمقامات: مكاسب)(35).وهذا الفرق بين اللفظين تبنّاه محي الدين بن عربي فقال: (الحال موهبة إلهية والمقام مكتسب)(36). وتأسيساً على هذا الفرق سوف يكون (حال الحريّة) هو موهبة إلهية للعبد لم يستحقّها جزاءً على عمل؛ لأنّ العمل هنا لا يَعْدِل الموهبة وليس سبباً كافياً لها.
يقول ابن عربي في الباب الرابع عشر ومائتين من الفتوحات، والمعنون بـ (في حال الحريّة): (اعلم أنّ الحريّة (...) عندنا إزالة صفة العبد بصفة الحق، وذلك إذا كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه. وما هو عبد إلا بهذه الصفات التي أذهبها الحق بوجوده مع ثبوت عين هذا الشخص (...) فثبتت الحريّة لهذا الشخص، فهو محل لأحكام هذه الصفات (= السمع والبصر وجميع القوى) التي هي عين الحق لا غيره كما يليق بجلاله)(37).يتكلّم ابن عربي في هذا النص على مقام (قرب النوافل)، والذي يستنبطه من الحديث القدسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله سبحانه قال:(من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مِمَّا افترضت عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه. فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما تردّدت في شيء أنا فاعله تردّدي عن نَفَس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )(38). ويرى ابن عربي أنّ هذا المقام لم يستحقّه العبد بإتيان النوافل، بل هو بمثابة من قدّم النوافل قرباناً وتقرّباً، وما حدث له بعدها من الحبّ الإلهي فهو من عين الفضل والمنّة، إنّه موهبة إلهية وليست جزاءً وفاقاً واكتساباً.
إذن، بالحب الإلهي تزول صفة العبد المحبوب بصفة الحق المحبّ.. تفنى الصفة ويبقى المحلّ حراً. وهذا المعنى الذي كشف عنه ابن عربي، وإن تجاوز المعنى الأول للحريّة والمُجْمَع عليه لدى الصوفية، إلا أنّه يستعيده بشكل من الأشكال؛ لأنّ إزالة الصفة هو نمط من أنماط التحرُّر من النَّفْس.
4– مقام الحريّة
يفرد محي الدين بن عربي في (الفتوحات المكية) باباً يتكلّم فيه على مقام الحرية بعنوان: (في معرفة مقام الحريّة وأسراره، وهو باب خطر).
ويطرح ابن عربي في هذا الباب حقيقة وجودية مؤدّاها: أنّ كلّ تعلُّق وإضافة وطلب فهو عبوديّة، وبالتالي فكلّ لفظ يفترض -وإن على مستوى الدلالة اللغوية- وجود ذاتين بينهما مناسبة يدلّ على الافتقار وينفي الحريّة عن الذاتين. أمّا إن انتفت المناسبة وانتفت الإضافة وانتفى الطلب فتثبت الحرية. يقول ابن عربي: (اعلم -وفقك الله- إنّ الحريّة مقام ذاتي لا إلهي، ولا يتخلّص للعبد مطلقاً فإنّه عبد لله عبوديّة لا تقبل العتق، وأحلناها في حقّ الحقّ من كونه إلهاً لارتباطه بالمألوه ارتباطَ السيادة بوجود العبد والمالك بالملك (...) فإنّه يلزم من حقيقة الإضافة عقلاً ووجوداً تصـوّر المتضايفين، فلا حريّة مـع الإضافة، والربوبيّة والألوهيّة إضافة)(39).
فإذا كانت الإضافة تقتضي الافتقار، فالذات الإلهيّة وحدها لا تقبل الإضافة يقول ابن عربي: (ولمّا لم يكن بين الحقّ والخلق مناسبة ولا إضافة، بل هو الغنيّ عن العالمين، وذلك لا يكون لذات موجودة إلا لذات الحق، فلا يربطها كون ولا تدركها عين ولا يحيط بها حدّ ولا يقيّدها برهان، وجدانها في العقل ضروري، كما أنّ نفي الصفة التي تُدخلها تحت التقييد نظري)(40).. ويقول أيضاً في المعنى نفسه: (حقيقة الحريّة في غنى الذات عن العالمين)(41).
والسؤال الآن: إن كانت الذات الإلهية هي الذات الوحيدة الموجودة التي لا تقبل الإضافة، فكيف يتحقق الإنسان بمقام الحريّة، وهل يزول عنه الافتقار؟
يجيبنا ابن عربي على هذا السؤال، بأن الإنسان إن وقف مع عينه في العدم ولم يخطر له الوجود بخاطر يزول افتقاره ويبقى حراً. يقول: (فإذا أراد العبد التحقّق بهذا المقام (= مقام الحريّة) (...) ونظر أنّه لا يصحّ له ذلك إلا بزوال الافتقار الذي يصحبه لإمكانه، ويرى أنّ الغيرة الإلهية تقتضي أن لا يتّصف بالوجود إلا الله، لما يقتضيه الوجود (= وجود العبد) من الدعوى، فعلم بهذا النظر أنّ نسبة الوجود إلى الممكن محال؛ لأنّ الغيرة حدٌّ مانع من ذلك، فنظر إلى عينه فإذا هو معدوم لا وجود له، وإنّ العدم وصف نفسي، فلم يخطر له الوجود بخاطر، فزال الافتقار وبقي حراً في عدميّته حريّة الذات في وجودها)(42).
إذن، ليس للإنسان مقام الحريّة إلا إذا كان مشهده عينه في العدم.. وفي ذلك استعادة للسان العموم في الحريّة؛ لأنّه تحرُّر من خاطر الوجود.
5- مقام ترك الحريّة
تعرضت بعض الأفكار الصوفية للفهم المغلوط الذي نتج عنه تطبيق سيء أضَرّ بالفكر الصوفي عامة. ومن هذه الأفكار فكرة الحريّة الإنسانيّة ومسار التحرّر.
لقد غلط البعض في فهم عبارات الصوفية في مجال الحريّة وقادهم الغلط إلى تقليد سطحي ظاهري أضاع المعنى الإنساني العميق الذي تحقّق به أعلام الصوفية ورجالاتها الكبار.. فتحوّل التحرّر -في ممارسة المقلدين- إلى جنس قسوة وجفاء، ومفارقة للألفة والمودّة وكلّ ما هو نبيل وجميل بين الناس.
وفي هذا الإطار نقدّر الباب الذي أفرده ابن عربي لمقام ترك الحريّة؛ فهو يزيل اللبس لدى هذا البعض، كما أنّه يطل على مسألة الحقوق في الإسلام.
يقول ابن عربي: (فإنّ الله -سبحانه- يقول له (= للعبد): إنّ لنفسك عليك حقاً ولعينك عليك حقاً ولزورك عليك حقاً. ومن توجّهت عليه الحقوق فأنّى له الحريّة؟! فهو عبد نفسه ما دامت تطلبه بحقها، وعبد عينه ما دام يطلبه بحقه، وعبد زوره ما دام يطلبه بحقّه)(43).
ويستدلّ ابن عربي لشرعيّة (مقام ترك الحريّة) بالسنّة النبويّة القويمة، ويورد واقعة من السيرة النبويّة وهي واقعة خروجه صلى الله عليه وسلم لأداء حق النفس من حكم الجوع، يقول: (قال رسول الله لأبي بكر الصديق: ما أخرجك؟ قال: يا رسول الله الجوع. قال رسول الله : وأنا أخرجني الجوع. فجاء مع من كان معه من أصحابه إلى دار الهيثم بن أبي التيهان فذبح لهم وأطعمهم. فما أخرجهم إلا مَنْ حَكَم عليهم لما توجّه له حقّ عليهم وهو الجوع)(44). ويقول متابعاً ومستنداً إلى السيرة النبويّة الكريمة، مؤكّداً أنها النموذج الإنساني الأعلى للتحقق، وأنه لا أصوب أو أعلى منها غاية تُدرَك: (ومثل هؤلاء المشهود لهم بالحريّة، ولهذا الذوق، ما خرجوا إلا لطلب أداء ما عليهم من الحقوق؛ لأنّفسهم، فقد استرقّهم الجوع. ولو لم يخرجوا وسكنوا لكانوا تحت قهر الصبر وما تطلبه هذه الحال، فغاية نسبة الفضل إليهم انهم خرجوا كما قلنا يلتمسون أداء حقوق نفوسهم بالسعي فيها، إذ كانوا متمكنين من ذلك، وأعلى من هذا فلا يكون)(45).
وهكذا يتوغل ابن عربي في قراءته الإنسانويّة لوجود الإنساني في الكون واحتياج حياته للأسباب المعتادة، فما كان في نظرة أولى ومقاربة أولى عبودية للأسباب هو بعد التحقق تركٌ للحريّة واختيار أداء الحقوق لكل ذي حق. فالصوفي وإن تحرر من رقّ النفس والأغيار فهو لا يتحرّر من حقّ النفس وحقوق الأغيار. المعرفة هي الأكسير الذي يحوّل المعدن ذهباً، والعارف هو الذي يؤدي حق الأسباب خياراً واندراجاً في وحدة الكون المخلوق الحادث، وحدة افتقار كلّ ما سوى الله.. يقول ابن عربي: (اعلم أنّ الحريّة حديث نفس وحال عرضي لا ثبات له مع الصحو)(46).. عندما يفتح الصوفي العين ويرى، عندما يصحو من الغفلة في بحر الكائنات يدرك أنّ الحريّة حال عرضي للكائن(47)، مشهدٌ لإمكانه المفرد في العدم، وانه من حقيقة عبوديته لله مكلّف بالدخول في نسيج الكون.
** ** **
سعاد الحكيم
الحواشي
1- الفتوحات المكية، محي الدين بن عربي، دار صادر، بيروت، ج4، ص268.
2- م، ن, ج1، ص458.
3- م، ن, ج1، ص554.
4- الرسالة القشيرية، عبد الكريم القشيري، تحقيق: عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف، دار الكتب الحديثة، مصر، 1966م، ص430.
5- م، ن, ص58.
6- م، ن, ص430.
7- تاج العارفين الجنيد البغدادي، الأعمال الكاملة، دراسة وجمع وتحقيق: سعاد الحكيم، دار الشروق، ط1: 2004م، ط2: 2005م، ص150.
8- راجع: اللمع، أبي نصر الطوسي، تحقيق: عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة بمصر ومكتبة المثنى ببغداد، عام 1960م، ص52.
9- الرسالة، ص430.
10- تاج العارفين، ص105.
11- راجع: اللمع، ص438.
12- م، ن, ص.ن.
13- الفتوحات المكية، ج1، ص563.
14- تاج العارفين، ص129.
15- م، ن, ص150.
16- م، ن, ص158–159.
17- الفتوحات، ج2، ص214.
18- الرسالة، ص429.
19- م، ن, ص432.
20- الفتوحات، ج1، ص745.
21- اللمع، ص531.
22- الرسالة، ص431.
23- شجون المشجون، ورقة 35 أ، مخطوط الظاهرية، دمشق، رقم 9205.
24- اللمع، ص450.
25- الرسالة، ص460.
26- الرسالة، ص463.
27- م، ن, ص460.
28- م، ن, ص462.
29- م، ن, ص.ن.
30- م، ن, ص.ن.
31- الفتوحات، ج1، ص408.
32- م، ن, ج2، ص227.
33- م، ن, ج2، ص502.
34- الرسالة، ص191.
35- م، ن, ص193.
36- الفتوحات، ج3، ص99.
37- م، ن, ج2، ص502.
38- الحديث صحيح ثابت، أخرجه البخاري في الرقاق من حديث أبي هريرة، وأحمد والحكيم وأبو يعلى والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن عائشة أم المؤمنين، والقشيري في الرسالة عن أنس.
39- الفتوحات، ج2، ص226.
40- م، ن, ص.ن.
41- م، ن, ج2، ص502.
42- م، ن, ج2، ص226.
43- الفتوحات، ج2، ص227–228.
44- م، ن, ج2، ص228.
45- الفتوحات، ج2، ص228.46- م، ن, ص.ن.