آخر الأخبار

جاري التحميل ...

لي وقت لا يسعني فيه غير ربي .



إن للعارف وقت ، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لي وقت لا يسعني فيه غير ربي)، فيطرأ الفناء على ذلك العارف ، والاستغراق والاستهلاك ، حتى يخرج بذلك عن دائرة حسه ، ورؤية نفسه ، ويخرج عن جميع مداركه ووجوده ، وذلك تارة يكون في ذات الحق سبحانه وتعالى فيتدلى له من قدس الإله فيض يقتضي منه أن يشهد ذاته ، عين ذات الحق سبحانه وتعالى ، لمحقه فيها ، واستهلاكه فيها ، ويخرج في هذا الميدان بقوله :(سبحاني ، لا إله إلا أنا وحدي) وكقوله : (جلت عظمتي وتقدس كبريائي) وهو في ذلك معذور لان العقل الذي يميز به الشواهد والفوائد ، ويعطيه تفصيل المراتب بمعرفة كل ما يستحق من الصفات غاب عنه ، وامتحق وتلاشى واضمحل ، وعند فقد هذا العقل وذهابه ، وفياض ذلك السر القدسي عليه ، تكلم به بالكلام الذي وقع فيه ، خلفه الله فيه نيابة عنه ، فهو يتكلم بلسان الحق لا بلسانه ، ومعربا عن ذات الحق لا ذاته ، ومن هذا الميدان قول أبي يزيد البسطامي: (سبحاني ما أعظم شأني) وقول الحلاج: (أنا الحق الذي لا يغير ذاته أمر الزمان ، وما في الجبة إلا الله) ، وقول بعضهم: (فالأرض ارضي والسماء سمائي) وكقول الششتري: 
أنا شيء عجيب لمن رآني أنا المحب وأنا الحبيب ما ثم ثاني 
وأقوال بن الفارض مثل هذا كثيرة ، وهذا ما يقتضيه الفناء والاستغراق في ذات الحق ، وهذا الأمر خارج عن دائرة العقل ، يدرك بالذوق ، وصفاء الأحوال ، فلا يعلم حقيقته إلا من ذاقه ، وتارة يكون الاستغراق للعارف والفناء في ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، فيغيب عن ذاته في ذات النبي صلى الله عليه وسلم فيتدلى له صلى الله عليه وسلم ببعض أسراره ، فإذا كسبت ذاته ذلك الشرف لا تشهد ذاته إلا ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو حقيقة الاجتماع بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وما سوى هذا الاجتماع عند العارفين فما هو إلا أضغاث أحلام ، فإذا حصل للعارف هذا الاجتماع ، فيعلمه الله ببعض ما اختص به نبيه صلى الله عليه وسلم من الخصوصية التي لا مطمع فيها لغيره صلى الله عليه وسلم ، فيتكلم بلسان النبي صلى الله عليه وسلم ، نيابة عنه في بعض ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من الخصوصية العظيمة ، التي له فيها علو وشرف على مراتب جميع الأنبياء والمرسلين ، وهو يخبر عما أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم معبرا عن نفسه ، فمن سمعه يظن انه ينسب ذلك لنفسه وإنما هو يتكلم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم لغيبته في ذاته ، فإذا انفصل عن هذا الفناء والاستغراق ، ورجع إلى حسه تبرأ من ذلك الكلام, لعلمه بمرتبته وقال أنا عبدا فقير (لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله) (الأعراف 188). وسق يا أخي هذا المساق في كل ما تسمعه من الشيوخ, مما يقتضي لهم شفوفا على مرتبة الأنبياء والمرسلين ، مثل قول الدسوقي: (أنا كنت مع نوح, وأنا كنت مع عيسى) ، وغير ذلك ، ومثل هذا كثير ، وكل هذا لفنائه في ذات النبي صلى الله عليه وسل مترجما عن مقاله. وإياك يا أخي أن تبادر بالإنكار على أولياء الله العارفين عز وجل لأنهم اعلم منك بحقيقة الله وأنبيائه ، أعوذ بالله من سوء الظن بالله ، وبعباد الله الصالحين ، وهذا يغني في الجواب ، ومن وراء ذلك مما لا يلحقه العقل ، ولا يأتي عليه نقل ولا يحل ذكره لبعده عن الأفهام.

وهذا الذي ذكرناه من الفناء للعارف في ذات الله ، وفي ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، ليس هذا لكل ولي ، ولا في كل وقت من الأوقات ، بل هو خاص ببعض الأوقات لبعض العارفين الراسخين في العلم ، فيتلخص من هذا أن الذي تكلم به الشيخ رضي الله عنه في حال فنائه في ذات الله ، مما هو مختص بأحكام الربوبية ، وفي ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، مما هو مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم. 

معراج السالكين و نهاية الواصلين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية