آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التصوف تربية

ولا يزال العبد يسلك هذا الطريق متخلقا، بين تهذيب وتشذيب؛ حتى تصفو روحه تماما لله، محققة الرضى الكامل بالله، بما تخلق من كلمة الإخلاص: (لا إله إلا الله)، سلوكا أبديا إلى الله؛ فينال نعمة المحبة صفةً ومقاما باقيا، وذلك هو نجاح التربية الصوفية في تربية الخلق؛ لأن مجتمعا يكون السواد الأعظم من أفراده على هذه الشاكلة، لن يصدر منه ما يمزق وحدته، ولا ما يضعف تماسكه، ولا ما يُبْلِي نسيجه الاجتماعي. والسبب في ذلك أن التربية الصوفية تفتح باب الأمل دائما للناس؛ بما تسلك بهم من منازل على سبيل التدرج. والناس في الدخول إلى أول عتبات التربية جميعا مقبولون! وهذا معنى عظيم جدا ؛ فلا إقصاء لأحد! إذ التصوف يعتمد منـزلة التوبة بابَ أملٍ للعباد، مفتوحا أمام القلوب في كل وقت وحين. وهنا يكمن نجاح الفكر الصوفي السني في الاستيعاب الشامل للمجتمع، والإدماج الكلي للناس في حضنه الدافئ. فالتوبة عند القوم: هي أول باب يلجه السالك في مسرى المحبة. 

والتوبة بهذا المعنى توبتان: توبة العبد الآبق الشارد عن باب الله، وتوبة العبد السالك إلى الله. قال أبو بكر الكلاباذي: (سئل الحسين المغازلي عن التوبة، فقال: تسألني عن توبة الإنابة أو توبة الاستجابة ؟ فقال السائل: ما توبة الإنابة ؟ قال: أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك. قال: فما توبة الاستجابة ؟ قال: أن تستحيي من الله لقربه منك!) فأما الأولى فلا تكون إلا بعد مقام اليقظة، يقظة الإنسان من غفلته، واكتشافه أنه غارق في مستنقع الشهوات والمعاصي؛ فيشتاق إلى لحظة سعيدة مع الطاهرين، بعدما ضاقت أنفاسه بالروائح النتنة، المنبعثة من جيفة العلق المسنون! فيقرر بدء المصالحة مع الله ؛ وذلك أول الدخول إلى مقام (الإرادة)، مع قافلة الصالحين، هاربا من رفقته السابقة مع الأشرار الغفلة: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدَوة والعشي يريدون وجهه ولاتعد عيناك عنهم تريد زينة الحيَوة الدنيا ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" الكهف الآية 28. سواء كان ذلك توبة من كفر صريح، أو من معصية دائمة. فهي في جميع هذه الأحوال خروج من فوضى الشرود ودخول إلى نظام المدار، حيث يستقيم العبد في السير إلى ربه. وتلك هي التوبـة النصـوح:"يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا"(التحريـم: 8). أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قُلْ آمنت بالله ثم استقم!)

والثانية توبة العبد المستقيم السالك إلى الله، إذ يصيبه الشيطان في طريقه ببعض الرشقات والنخسات ؛ فيصيبه القبض بعد البسط؛ وينتبه إلى ما به من أذى؛ فيجأر فارا إلى الله. وهي المشار إليها في قول الله تعالى يصف عباده السالكين: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر و الحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين" التوبة الآية 112.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية