لا يمكن التلقي ولا يتم الانتفاع بشيخ ميت، ولو صح هذا لما كانت هناك حاجة إلى وجود المرشدين الأحياء، لأن الله تعالى كتب في سابق علمه أن رحمته تجري لخلقه بمدد واصل في كل عصر إلى خاصته وعرائسه في الأرض الذين هم أولياؤه وورثة أنبيائه. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء). فلا بد من هؤلاء كي يدلوا الخلق على الخالق ولا بد أن يكونوا أحياءً جيلاً بعد جيل، يعيشون بين الخلق حتى قيام الساعة، بهمتهم وحالهم تكون الإفادة للخلق.
روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه عن أنس رصي الله عنه قال: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا). وهذا يدل على أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه هو ورؤيته بين الصحابة كان نافعاً لقـلوبهم. ومن هنا كان الأمر بصحبة الصالحين {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ} (15 لقمان). وذكر الشيخ محي الدين بن عربي: "أن الميت لا ينـتفع به من حيث تربية المريد والانتفاع في سيره إلى الله، ومحاذاته في الطريق ولا تتيسر هذه إلا بصحبة الحي. إذن قيد الحياة شرط في الصحبة".
وقد قيل من أعرض عنهم مستعيناً بكلام من تقدمهم من الأموات، طبع عليه بطابع الحرمان، وكان مثله كمن أعرض عن نبي زمانه وتشريعه مستغنياً بشرائع النبيين الذين خلوا.
ويقول الأمام الشعراني: "ومن الواجب على المريد إذا مات شيخه أن يتخذ له شيخاً يربيه زيادة على ما رباه شيخه الأول فإن الطريق لا قرار له".
وعلى هذا فلا بد من الانتفاع بشيخ حي يراه السالك ويجلس معه ليرشده إلى طريق الحق القويم، فبالسير مع هذا الشيخ الوارث المحمدي تستضيء القلوب، وتعتدل الأمزجة، وتخمد وساوس الشيطان، كما في حديث أنس السابق. ولا يجوز ادعاء التلقي من المشايخ الأموات فإن ذلك غير صحيح، وهو من ضعف الهمة، وهوى النفس، ورداءة الفطنة، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرك بهم، مع شرط وجود الشيخ المرشد الحي. فإن مات الوارث المرشد فإنهم بعد نقله لدار الحق عليهم الاجتماع إلى من أشار إليه ليخلفه أو من اجتمعت به الصفات وجرى عليه الإجماع.
كما لا يجوز أيضاً اتخاذ أكثر من شيخ واحد لما في ذلك من الفساد وعدم النفع، واذكر هنا مقولة أبي يزيد البسطامي: "من لم يكن له أستاذ واحد فهو مشترك والمشترك شيخه الشيطان. ثم قال أخذت طريقي عن شيخي نَفَساً بنفَس". وهذا هو الشيخ محي الدين بن عربي يقول: "اعلم أنه لا يجوز لمريد أن يتخذ له إلا شيخاً واحد لأن ذلك أعون له في الطريق، وما رأينا مريداً قط أفلح على يد شيخين".
فلا بد إذن من نبع واحد يستقي منه المريد ويستدل به على طريق الآخرة. وإذا تعدد الدُّلاَّل له ربما تاه واختلط عليه الأمر، ولا حجة للذين يقولون بأن الصحابة والتابعين كانوا لا يتقيدون بشيخ واحد، لأن أولئك كانوا أبراراً أطهاراً وكل واحد منهم هو شيخ مرشد. قد وصلوا أعلى مراتب العبودية والطاعة ولا حاجة لهم بذلك. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). وما كانت الحاجة إلى مرشد واحد إلا بعد أن كثرت الآفات والأمراض والعلل واحتاجوا إلى علاجها. والعلاج في هذه الحالة لا يكون إلا على يد شيخ واحد حتى لا يتيه المريد ويطول عليه الطريق إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في حياته هو المرشد والمزكي والمعلم دون غيره.