اهْتَدَى الرَّاحِلُونَ إِلَيْهِ بَأَنْوَارِ التَّوَجُّهِ ، وَالْوَاصِلُونَ لَهُمْ أَنْوَارُ الْمُوَاجَهَةِ ، فَالأَوَّلُونَ لِلأَنْوَارِ ، وَهَؤُلاَءِ الأَنْوَارُ لَهُمْ ؛ لأَنَّهُمْ للهِ لاَ لِشَىْءٍ دُونَهُ {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
أنوار التوجيه : هى أنوار الإسلام والإيمان
وأنوار المواجهة : هي أنوار الإحسان
وبيان ذلك أن الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه أولا بنور حلاوة العمل الظاهر ، وهو مقام الإسلام ، فيهتدي إلى العمل ويفنى فيه ويذوق حلاوته ، ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن ، وهو مقام الإيمان من الإخلاص والصدق والطمأنينة والأنس بالله ، والتوحش مما سواه فيهتدي إليه ويفنى فيه ، ويذوق حلاوته ، ويتمكن من المراقبة وهذا النور أعظم من الأول وأكمل ثم يتوجه إليه بنور حلاوة المشاهدة وهو عمل الروح ، وهو أول نور المواجهة فتأخذه الدهشة والحيرة والسكرة .
فإذا أفاق من سكرته ، وصحا من جذبته وتمكن من الشهود وعرف الملك المعبود ، ورجع إلي البقاء كان لله وبالله فاستغنى عن النور بمشاهدة نور النور ، لأنه صار عين النور ، فصار مالكا للأنوار بعد أن كانت مالكة له ، لافتقاره لها قبل وصوله إلى أصلها ، فلما وصل صار عبد الله حرا مما سواه ، ظاهره عبودية وباطنه حرية .
إن المريد مادام في السير فهو يهتدي بأنوار التوجيه ، مفتقرا إليها لسيره بها فإذا وصل إلى مقام المشاهدة حصلت له أنوار المواجهة فلم يفتقر إلي شيء لأنه لله لا لشيء دونه ، فالراحلون وهم السائرون للأنوار لافتقارهم إليها وفرحهم بها وهؤلاء الواصلون الأنوار لهم لإستغنائهم عنها بالله ، فهم لله وبالله لالشيء دونه.