إن حب الله ورسوله فرض عين على كل مسلم . قال تعالى :( والذين آمنوا أشد حبا لله). وقال : (يحبهم ويحبونه) وقال : (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ).وقال عليه الصلاة والسلام : (لا يؤمن احدكم حتى يكون الله ورسوله احب اليه من اهله وماله والناس اجمعين) البخاري.
والمحبة ميل الطبع الى الشيء لكونه لذيذا" عند المحب . فان تأكد ذلك الميل وقوي سمي صبابة لانصباب القلب بالكلية . فاذا قوي سمي غراما يلزم القلب كلزوم الغريم . فاذا قوي سمي عشقا . أي افراطا في المحبة . فاذا قوي سمي شغفا" . لانه يصل الى شغاف القلب من داخله . فاذا قوي سمي تتيما" أي تعبدا"لانه يصير المحب عبدا" للمحبوب . فيكون ذلك المحب متيما" مامورا" . ومغرما" ماسورا" لا يقر له ولا يفرق بين النافع والضار .
ولا تحصل حقيقة المحبة من العبد لربه الا بعد سلامة القلب من كدورات النفس . فاذا استقرت محبة الله في القلب خرجت محبة االغير. لان المحبة صفة محرقة تحرق كل شيء ليس من جنسها . وعلامتها قطع شهوات الدنيا والاخرة .
قال يحيى بن معاذ : صبر المحبين اشد من صبر الزاهدين . وعجبت كيف تدعي محبة الله من غير اجتناب محارمه . فمن ادعى محبة من غير اجتناب الشهوات فهو كذاب . ومن ادعى محبة الجنة من غير انفاق ملكه فهو كذاب .والمحبة عندهم على ثلاثة اقسام :
عوام
خواص
خواص الخواص
واما العوام :محبة العوام وهي مطالعة المنة من رؤية إحسان المحسن، جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها وهو حب يتغير وهو لمتابعي الأعمال الذين يطلبون أجراً على ما يعملون.
واما الخواص : فمحبته عبارة عن التعشق الذي به ينمحي العاشق عند تجلي نور معشوقه . فاذا علم المحبوب صدق محبه في محبته رفع بينه وبينه الحجاب فاطلعه على اسراره وكشف له عن علم غامضة واسرار عالية .
واما خواص الخواص : محبة خواص الخواص المتبعين للأحوال وهي الناشئة من الجذبة الإلهية في مكامن «كنت كنزاً مخفياً» وأهل هذه المحبة هم المستعدون لكمال المعرفة ، وحقيقتها أن يفنى المحب بسطوتها فيبقى بلا هو وربما بقي صاحبها حيران سكران لا هو حي فيرجى ولا ميت فيبكى ، وفي مثل ذلك قيل :
يقولون إن الحب كالنار في الحشا ألا كذبوا فالنار تذكو وتخمد
وما هو إلا جذوة مس عودها ندى فهي لا تذكو ولا تتوقد
واما الشوق : فهو انجذاب القلب الى مشاهدة المحبوب . ويقال هو نار الله اشعلها في قلوب اوليائه حتى يحرق به ما في قلوبهم من الخواطر والارادات والعوارض والحاجات . وهو ناشئ عن المحبة . فاذا بلغه العبد استبطا الموت شوقا الى ربه واخذ في التواجد والتطاير الى حضرة قربه .
ويكفي في شرح الحب لفظه فإنه حاء وباء والحاء من حروف الحلق ، والباء شفوية ، ففيه إشارة إلى أن الهوى ما لم يستول على قلبه ولسانه وباطنه وظاهره وسره وعلنه لا يقال له : حب ، وشرح ذاك يطول ، وهذه محبة العبد لربه ، وأما محبة ربه سبحانه له فمختلفة أيضاً ، وإن صدرت من محل واحد فتعلقت بالعوام من حيث/ الرحمة فكأنه قيل لهم : اتبعوني بالأعمال الصالحة يخصكم الله تعالى برحمته ، وتعلقت بالخواص من حيث الفضل فكأنه قيل لهم : اتبعوني بمكارم الأخلاق يخصكم بتجلي صفات الجمال ، وتعلقت بخواص الخواص من حيث الجذبة فكأنه قيل لهم : اتبعوني ببذل الوجود يخصكم بجذبه لكم إلى نفسه ، وهناك يرتفع البون من البين ، ويظهر الصبح لذي عينين والقطرة من هذه المحبة تغني عن الغدير.