آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مراتب النفس عند الصوفية : النفــس اللوامــة .

المؤشر النفسي للنفس اللوامة هو الشعور بالندم عند حصول أية مخالفة لأمر شرعي أو أخلاقي. وسلوكها العام تهزه أسئلة من نوع: لو فعلت كذا لكان كذا، ولماذا هذا وليس ذاك؟.وهذا الموقف راجع إلى أن القلب بعد أن استعاد بعضا من حريته، أصبح له حق النظر في الأعمال التي تصدر عن العبد. فهي إما أعمال مخالفة للشريعة أو منافية للأخلاق يوبخ القلب صاحبها من خلال الشعور بالندم الذي يعقبها، أو أعمال صالحة يرتاح لها القلب من خلال الشعور بالرضي الذي يترتب عنها.إن اللوم هو مؤشر خارجي على حدوث تحول في اتجاه الخير، ومنعرج تسلك فيه النفس طريقا جديدة.

إلا أن القطيعة الحاسمة مع النفس الأمارة لا تتم إلا بالتوبة النصوح التي يجب أن تتوفر فيها ثلاثة شروط: 

– الشعور بالندم 
– الاستغفار .
– الإقلاع عن الذنب وعدم الرجوع إليه.
– الشعور بالندم 

يقول ابن عطاء الله :" من علامة موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات، وترك الندم على ما فعلته من وجود الزلات" .
لكن شرط يضيف ابن عطاء الله:
- " لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله عز وجل، فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه". لأنــه : " لا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله".
إن التوبة تشكل مرحلة أساسية لسلوك الطريق الصوفي، وشرطا مسبقا لابد من توفره قبل بدئ السير إلى الله تعالى. فهي "البنية الأساسية" لكل تنمية روحية بدونها لا يمكن أن يتحقق السير إلى الله تعالى. كما أنها يجب أن تتحول إلى عمل ملموس، وأن لا تبقى مجرد شعور ونية.

يقول ابن عطاء الله:
- " الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها من علامات الاغترار". ويشير ابن عطاء الله إلى أن الحق سبحانه يسر للعبد القيام بالأعمال رحمة به. يقول بهذا الصدد:
- " قيد الطاعات بأعيان الأوقات كي لا يمنعك عنها وجود التسويف. وسع عليك الأوقات كي لا تبقى لك حصة الاختيار". 
- " علم قلة نهوض العباد إلى معاملته فأوجب عليهم طاعته، فساقهم إليها بسلاسل الإيجاب. عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل. أوجب عليك وجود خدمته وما أوجب عليك إلا دخول جنته" .
- مع العلم، يوضح ابن عطاء الله، أن عملك هو لصالحك لا لصالحه. يقول بهذا الصدد:
- " لا تنفعه طاعتك ولا تضره معصيتك. فإنما أمرك ونهاك عن هذه لما يعود عليك. لا يزيد في عزه إقبال من أقبل، ولا ينقص من عزه إدبار من أدبر".
بعد التوبة المقرونة بالعمل يشير بن عطاء الله إلى ضرورة توفر عنصر الإخلاص في العمل ليكون مقبولا:-" الأعمال صورة قائمة روحها الإخلاص".
وعلامة الإخلاص في العمل عند ابن عطاء الله هو العمل لله محبة وعبودية لا من أجل العوض. يقول بهذا الصدد: " ليس المحب من يرجو من محبوبه عوضا أو يطلب منه غرضا. فإن المحب من يبذل لك ليس المحب من تبذل له" . لأنه : 
- " متى طلبت عوضا على عمل طولبت بوجود الصدق فيه، ويكفي المريب وجدان السلامة".
لذلك " لا تطلب عوضا على عمل لست له فاعلا، يكفي من الجزاء لك على عمل أن كان له قابلا ". لأن " من فضله عليك أن خلق ونسب إليك ".
كما أن " عنايته فيك لا لشيء منك. وأين كنت حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته؟ لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال، بل لم يكن هناك إلا محض الإفضال وعظيم النوال".
وبذلك " كيف تطلب العوض على عمل هو متصدق به عليك؟ أم كيف تطلب الجزاء علىعمل هو مهديه إليك؟".
وعليه " لا يكن طلبك تسببا للعطاء منه فيقل فهمك عنه، وليكن طلبك لإظهار العبودية وقياما بحقوق الربوبية. كيف يكون طلبك اللاحق سببا لعطائه السابق؟ جل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل".
فـ "متى كنت إذا أعطيت بسطك العطاء وإذا منعت قبضك المنع فاستدل بذلك على ثبوت طفوليتك وعدم صدقك في عبوديتك".
لأنــه " من عبده لشيء يرجوه منه، أو ليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه، فما قام بحقوق أوصافه".
فهــو " متى أعطاك أشهدك بره، ومتى منعك أشهدك قهره. فهو في كل ذلك متعرف إليك، ومقبل بوجود لطفه عليك".
و " إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه ".
لذلك فـ " خير ما أنت طالبه منه ما هو طالبه منك".
إذا كان طلب العوض يعتبر حافزا على العمل بالنسبة للسالك في مستوى النفس اللوامة، إلا أنه يتطور بتطور النفس. فإذا كان العوض هو طلب الجنة بالنسبة للعُبّاد على مستوى النفس اللوامة، فإن العوض على مستوى النفس المطمئنة والراضية يصبح طلب الولاية والفتح والخصوصية. ولا تزول هذه الأعواض النورانية إلا بفناء النفس فناء كليا. فالأنوار حجاب كما الظلمة حجاب. وحسنات الأبرار سيئات المقربين. و " قف أمام الأبواب لا لتفتح لك الأبواب تفتح لك الأبواب". لأنه كما يقول ابن عطاء الله.
- " ما أحببت شيئا إلا كنت له عبدا، وهو لا يجب أن تكون عبدا لغيره" .فهو سبحانه – " كما لا يجب العمل المشترك لا يجب القلب المشترك. العمل المشترك لا يقبله. والقلب المشترك لا يقبل عليه".
لأنــه " ربما وقفت القلوب مع الأنوار كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار".
ولأنـه " تطلعك إلى غيره دليل على عدم وجدانك له، واستيحاشك لفقدان ما سواه دليل على عدم وصلتك به".
لذلك " لا تطلبن بقاء الواردات بعد أن بسطت أنوارها وأودعت أسرارها، فلك في الله غنى عن كل شيء".
و " لا تزكين واردا لا تعلم ثمرته. فليس المراد من السحابة الأمطار، وإنما المراد منها وجود الثمار".
لأنــه " إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا، أورده عليك ليتسلمك من يد الأغيار، ويحررك من رق الآثار. أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك".
ولأن " النعيم وإن تنوعت مظاهره إنما هو بوجود شهوده واقترابه، والعذاب وإن تنوعت مظاهره إنما هو بوجود حجابه. فسبب العذاب وجود الحجاب، وإتمام النعيم بالنظر إلى الوجه الكريم".
وقد وضع ابن عطاء الله معيارا على أساسه يمكن قياس درجة التعلق بالأعمال وثمراتها:
- " من علامات الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند حصول الزلل".
وهذا لا يعني إسقاط الأعمال الصالحة (الطاعات)، ولكن الاستمرار في ممارستها مع عدم التعلق بها شعوريا مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اعملوا ولا تتكلوا.
ويوضح ابن عطاء الله معنى هذا الحديث النبوي:
- " متى رزقك الطاعة والغنى به عنها فقد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنه".
إذ " لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلا للقبول".
و " كفى من جزائه إياك على الطاعة أن رضيك لها أهلا" .
و " كفى العاملين جزاء ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته، وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته".
فـ " أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوجك منه إلى حلمه إذا عصيته".
ومنتهى الإخلاص يتحقق عند فناء النفس حيث لا تجد الحظوظ والأعواض مكانا تستقر عليه فتنتفي بانتفاء النفس. وهو ما لا يتحقق على مستوى النفس اللوامة التي ترى الفعل صادرا عنها، وترى وجودها مستقلا وقائما بنفسه.
إن المعادلة السلوكية للنفس اللوامة هي: " منك إليه بك " تسري فيها أنوار ضعيفة بحكم وجود ظل النفس، وشعورها بفعلها وبكينونتها المستقلة. وضعف الأنوار ناتج عن حضور الله فيها حضورا باهتا من حيث توجه العبد بعمله إليه فقط. أما صفات النفس اللوامة فهي: الندم، اللوم، الاعتراض، حب الظهور…

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية