الأعمال : حركة الجسم بالمجاهدة
والأحوال : حركة القلب بالمكابدة
والمقامات : سكون القلب بالطمأنينة , مثال ذلك مقام الزهد مثلا فإنه يكون أولا عمله مجاهدة بترك الدنيا وأسبابها , ثم يكون مكابدة بالصبر علي الفاقة حتى يصير حالا , ثم يسكن القلب ويذوق حلاوته فيصير مقاما وكذلك التوكل يكون مجاهدة بترك الأسباب , ثم يكون مكابدة بالصبر علي مرارة تصرفات الأقدار , ثم يصير حالا , ثم يسكن القلب فيه ويذوقه فيصير مقاما , وكذلك المعرفة تكون مجاهدة بالعمل في الظاهرة كخرق العوائد من نفسه , ثم تكون مكابدة بالمعرفة والإقرار عند التعرفات , ثم تصير حالا فإذا سكنت الروح في الشهود وتمكنت صارت مقاما فالأحوال مواهب , والمقامات مكاسب , يعني أن الأحوال مواهب من الله جزاء لثواب الأعمال , فإذا دام العمل واتصل الحال صار مقاماً فالأحوال تتحول وتذهب وتجىء , فإذا سكن القلب فى ذلك المعنى صار مقاماً وهو مكتسب من دوام العمل .
وأعلم أن المقام والحال لكل واحد علم وعمل , فالمقام يتعلق به العلم أولاً ثم يسعى فى عمله حتى يكون حالاً , ثم يصير مقاماً وكذلك الحال يتعلق به العلم اولاً , ثم العمل , ثم يصير مقاماً حالاً والله تعالى اعلم .
فعلامة التحقق بقامات الإنزال , هو حسن الحال وعلامة حسن الحال هو حسن العمل فإتقان الأعمال وحسنها هو ثمرة ونتيجة حسن الأحوال وحسن الأحوال وإتقانها هو نتيجة التحقق بمقامات الإنزال أى التحقق بالإنزال فى المقامات .
أو تقول : حسن الأحوال دليل على التحقق بالمقامات التى ينزل الله عبده فيها وحسن الأعمال دليل على حسن الأحوال .
والتحقق بالحال والسكون فى المقام أمر باطنى , ويظهر أثره فى عمل الجوارح .
والحاصل : أن حركة القالب تدل على صلاح القلب أو فساده لقوله صلى الله عليه وسلم :" إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله , ألا وهى القلب " .
فإذا تحقق القلب بالزهد مثلا وصار له حالا أو مقاما , ظهر ذلك علي جوارحه من الثقة بالله والأعتماد عليه , وقلة الحركة عند الأسباب المحركة لقوله صلي الله عليه وسلم : " ليس الزهد بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال , إنما الزهد ان تكون بما في يد الله أوثق مما في يدك " ولذلك قال أبو حفص رضي الله عنه : حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن , فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال :( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه )
وأفضل الأعمال التي يقطع بها المريد المقامات وأقربها هو ذكر الله.
إيقاظ الهمم في شرح الحكم