الصوفية فى طريقهم إلى الله لابد لهم أولا – قبل أن يسلكوا – أن يحددوا طرقهم وأن يرسموها بعناية ودقة، ويلتزموا بجميع بنودها ومعالمها، وأن يضع الصوفى"قدمه على أعتاب تجربة جوانبها تتطلب شمول الوعى والدراية بالنفس الإنسانية فى غرائزها، ونزواتها، وجموحها، وقهرها، ولا يخفى ما للنفس من سلطان يظهر بوجوه مختلفة، فتتدرج من المكر ومن الضعف إلى قمة القوة، لذلك كان فيه متخصصون مرشدون مهمتهم توصيل"الصوفى الذى أراد الوصول إلى"الحضرة الإلهية.
وإذا كانت التجربة الصوفية لابد أن يطابق فيها القول العمل، وتحتاج إلى أسلوب لبلوغ المحبين لآمالهم، أطلقوا على هذا الأسلوب"طريقا"وهذا الطريق يشمل التجربة الصوفية بكاملها، وتتعدد الطرق مع الصوفى الواحد، فما بالنا بتعدد السالكين، يقول العفيف التلمسانى:"اعلم أن أحوال السالكين تختلف فى مدة السلوك إلى أن يقضى اختلافا كثيرا، وتكون واردات السالك مختلفة بحسب اختلاف أحواله، ولذلك قيل إن الطرق إلى الله تعالى على عدد أنفاس الخلائق، فللسالك الواحد فى كل نفس طريق خاص بذلك النفس، وهذا فى السالك الواحد، فما ظنك بالحال فى اختلاف السالكين من سائر طوائف أهل الأرض".
والمريد يسلك الطريق الصوفى إلى غايته"منذ انخراطه فى زمرة أهل هذا الطريق، وسلوكه هذا يسمى سفرا، وهو يجتاز الطريق مرحلة بعد أخرى، وهذه المراحل التى قسم إليها الطريق الصوفى تسمى مقامات، والمريد فى اجتيازه هذه المقامات، تعرض له أحوال مختلفة من سرور وحزن ومن فتور إلى نشاط.
وهذه المقامات هى من جملة الأعمال والمجاهدات، والرياضات النفسية وتعنى:"طريق الطلب ومقام العبد بين يدى الله عز وجل، وتكون درجته بمقدار اكتسابه فى حضرة الحق تعالى، وما يبذله السالك من العبادات والمجاهدات"ولا يصل إلى مقام إلا بعد استيفاء حقوق ما قبله، حيث إن"المقام: هو استيفاء حقوق المراسم، فإنه من لم يستوف حقوق ما فيه من المنازل لم يصح له الترقى إلى ما فوقه...، وأهل الطريق دائما فى تطلع دائم إلى أعلى، ومن أراد الوصول، لا يقف عند مقام، ولا يكتفى بحال، ولكنه طموح نشط، يغذى طموحه هذا أنه دائما مشدود إلى أعلى، حيث مصدر النور الإلهى، فالرتب هى الأحوال والمقامات والدرجات الروحية التى ينزل بها الأولياء فى الطريق الصوفى الممتد من الخلق إلى الحق ومن الحق إلى الخلق.