تتلخص أركان طريق التصوف بعبارة المجاهدة ومخالفة النفس . ومخالفة النفس تكون بكبح جماح غوايتها وإلجامها بلجام الشرع وتسييرها على طريق الله عز وجل ومعاداة الشيطان وعدم الاكتراث لوسوساته .
قال تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " .
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " وهو جهاد النفس .
وقال صلى الله عليه وسلم: " لعل أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك " .
وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " .
من أجل ذلك اتبع السلف الصالح سبلاً لترويض النفس وتهذيبها لترقيتها نحو مدارج الكمال . والنفس لها سبعة مراتب ، أي مراحل يمارسها ويعايشها السالك وكل مرحلة ألطف من التي قبلها وهي :
1 - النفس الأمارة .
2 - النفس اللوامة .
3 - النفس الملهمة .
4 - النفس المطمئنة .
5 - النفس الراضية .
6 - النفس الراضية .
7 - النفس الكاملة .
ويلاحظ أن هذه الأسماء للنفس كلها مستمدة من القرآن الكريم . وتتزكى النفس برفع الهمة ومجاهدة النفس ومخالفة الشيطان والتوبة من كل الذنوب والمعاصي ويكون ذلك بتحلية النفس بالصفات الحميدة والطاعة والالتزام بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام . وبكثرة ذكر الله عز وجل فإن المسلم عندما يسلط على النفس الأمارة سيف المجاهدة ونور الذكر فإنها تضعف وتستكين وتتلطف وتترقى إلى النفس التي تليها وفي ساحات النفس المترقية يتجول الإنسان من مقام لآخر والمقامات والأحوال كثيرة يعاينها السالك أثناء مجاهدته ولو لم يعرف هذه المصطلحات وهذا التمييز المنهجي أعني – الأحوال والمقامات – لكنه لا بد أن يمر بها مادام سالكاً في طريق المجاهدة للوصول إلى نيل مرضاة الله .
ومن المقامات : التوبة ، الخشية ، المراقبة ، الصدق ، الشكر ، .. إلخ . فمثلاً مقام المراقبة يرد على القلب أحياناً ، وأحياناً يكون القلب في غفلة فيظل القلب في تغير وتبدل والإنسان السالك في مجاهدة إلى أن يستقر ويثبت فيكون هذا الثبات بعد التحول – مقاماً–
والمقام سمي مقاماً لثبوته وإقامته ، وسمي الحال حالاً لتحوله وعدم استقراره ، فمادام السالك سالكاً ومجاهداً لقطع عقبات الطريق لا بد أن يمر بأحوال ويستقر بمقامات لذلك قالوا : " إن المنافق يبقى على حالة واحدة أربعين عاماً والمؤمن يتبدل كل يوم أربعين مرة ، وهذا التبدل محمود لأنه – أي السالك – في جهاد مستمر لتطهير نفسه من أدرانها فتراه يتحول ويتبدل إلى أن يجتاز مراحل النفس كلها فتصبح الصفات الحميدة في نفسه سجية – أي مقاماً – بعد أن كانت حالاً متبدلاً وهذه الحالة هي أعلى حالة يتطاول إليها ويتمناها كل ذي قلب سليم وعقل سوي عندها يكون هذا الإنسان المتصف بهذه الصفات مرآة لقول الله تعالى في خطابه لإبليس لعنه الله: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " .