إلانسان مفطور على حب الكمال. والعشق الإلهي يكون الغاية منه هو الكمال: كمال المريد. . فالله في يحبنا قبل أن نحبه. ولذا فمن يتوق إلى الكمال عليه أن يحب الله ويعشقه.
يقول السيد كمال الحيدري بخصوص الحب الالهي :
من مظاهر حكمة الله تعالى المختارة والمُبيّنة في القرآن الكريم وحدة المسلك بين تزكية النفس وتطهيرها معنويّاً للوصول بها إلى أعلى مدارج الكمال وبين معرفة الله تعالى. ويمكن توضيح ذلك من خلال مقدّمات ثلاث:
المقدّمة الأولى : إنّ الإنسان قد خُلق مفطوراً على حبّ الكمال. ومعنى كونه مفطوراً على حبّ الكمال وطلب تحصيله هو أنّ الإنسان في أصل خلقته قد خُلق على كيفية مخصوصة هي حبّ الكمال المطلق وطلبه.
المقدّمة الثانية : إنّ هذا الحبّ بنكتة فطريّته لن يكون قابلاً للتبديل والتحويل والتغيير والتغيّر، وهذه الحقيقة ثابتة عقلاً ونقلاً. أمّا عقلاً فإنّ التبديل أو التحويل أو التغيير يعني فقدان الأصل؛ لأنّ حبّ الكمال ليس أمراً عارضاً على وجود الإنسان، وإنّما هو كيفيّة مأخوذة في أصل تركيبته ونشأته، فيكون افتراض عدمه افتراضاً لعدم الإنسان. وأمّا نقلاً فلقول الله تعالى : فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ . وما دام الإنسان مفطوراً على حبّ الكمال وطلب الحصول عليه، فإنّ هذا الحبّ وهذا الطلب لن يتبدّلا أو ينطفئا أبداً، إذاً لا تبديل لخلق الله تعالى. وهكذا جرت سنّة الله في الإنسان كباقي سُننه في الكون خالدة باقية أبداً.. فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً . فحبّ الكمال وطلب تحصيله هما سنّة الله سبحانه في خلقهِ، وهما من أصول الفطرة الأولى التي فطر عليها الإنسان، ولا ينتقض ذلك بما نشاهده من انحرافات جسيمة عن مستلزمات هذه الفطرة السليمة والصبغة الحسنة.
المقدّمة الثالثة : إنّ الكمال غير المتناهي, مصداقه الأوحد هو الله سبحانه وتعالى. فالتأمّل في مجموع هذه المقدّمات ينتج عنه أنّ الإنسان إذا عرف الله تعالى فإنّه سوف يُحبّه بالضرورة، وذلك لأنّ حبّه لله تعالى انعكاس وترجمة فعلية لحبّ كماله الشخصي والذاتي، وهو طالب له ما دام فاقداً له حتّى إن كان مطلوبه يحصل عليه ضمن حدود ضيّقة في محلٍّ ما، فكيف إذا علم أنّ مطلوبه موجود بشكل مطلق غير محدود؟ فلا شكّ أنّه سوف يكون أشدّ طلباً له ورغبةً به.
إذن الإنسان مفطور على حب الكمال. وهو لا يستطيع أن يكون كاملاً إلا إذا عرف لله . وعندما يعرف الله فإنه سيحبه ويهيم به. وإجمالاً فإن التصوف هي رحلة لمعرفة الله عن طريق العشق. هكذا اختار المتصوفين طريقتهم الخاصة. المسافر هو المريد، والطريق هو العشق، والهدف هو الله . والمتصوف لا يمتلك غير العشق ابداً. لأنها الطريقة الوحيدة التي يعتقد أنها تمكّنه من لقاء الله. لان الله لا يرى ولا يمكن أنّ نشعر به. عندما سُأل الإمام علي: بما عرفت ربّك ؟ قال : بما عرّفني نفسه .. قيل وكيف عرّفك نفسه ؟ قال : لا تشبهه صورة ولا يحس بالحواس ولا يقاس بالناس.
من خلال ذلك يتّضح لنا أنّ مرحلة ومسيرة طلب الكمالات لن تنتهي عند حدّ معيّن ما دام الطالب محدوداً ـ وهو الإنسان في حدود بحثنا ـ والمطلوب مطلقاً. وحيث إنّ المعرفة بالشيء ـ في إحدى معانيها ـ هي الإحاطة به، فكيف يُحيط المحدود باللامحدود؟