{ لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله تعالى ، فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه }
الناس في الخوف والرجا على ثلاثة أقسام :
أهل البداية : ينبغي لهم تغليب جانب الخوف وأهل الوسط : ينبغي لهم أن يعتدل خوفهم ورجاؤهم.
أهل النهاية : يغلبون جانب الرجاء أما أهل البداية فلأنهم إذا غلبوا جانب الخوف جدوا في العمل وأنكفوا عن الزلل فبذلك تشرق نهايتهم قال تعالى:( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )،وأما أهل الوسط فلأنهم قد أنتقلت عبادتهم إلى تصفية بواطنهم فعبادتهم قلبية فلو غلبوا جانب الخوف لرجعوا إلى عبادة الجوارح والمطلوب منهم عبادة البواطن على رجاء الوصول وخوف القظيعة فيعتدل خوفهم ورجاؤهم وأما الواصلون فلا يرون لأنفسهم فعلاً ولا تركا فهم ينظرون إلى تصريف الحق وما يجري به سابق القدر فيتلقونه بالقبول والرضاء فإن كان طاعة شكروا وشهدوا منة الله وأن كان معصية أعتذروا وتأدبوا ولم يقفوا مع أنفسهم إذ لا وجود لها عندهم وإنما ينظرون إلى ما يبرز من عنصر القدرة فنظرهم إلى حمله وعفوه وأحسانه وبره أكثر من نظرهم إلى بطشه وقهره.
ويرحم الله الشافعي حيث قال:
فلما قسي قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلماً
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظماً
فما زلت ذا جود وفضل ومنة
تجود وتعفوا منة وتكرماً
فياليت شعري هل أصير لجنة
أهنا وإما للسعير فأندما
قال تعالى:قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم.
وتأمل قضية الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً ثم سأل راهباً فقال له هل لي من توبة فقال له لا توبة لك فكمل به المائة ثم أتى عالماً فسأله فقال له من يحول بينك وبينها ولكن أذهب إلى قرية كذا ففيها قوم يعبدون الله فكن فيهم حتي تموت فلما توسط الطريق أدركه الموت فأختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحي الله إليهم أن قيسوا القرية التي خرج إليها والقرية التي خرج منها فألى أيهما كان أقرب فهو من أهلها فأوحي الله إلى القرية التي يريد أن تقاربي وإلى القرية التي خرج منها أن تباعدي فوجد أقرب إلى القرية التي يريد بشبر فأخذته ملائكة الرحمة والحديث في الصحيحين نقلته بالمعني وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه :العامة إذا خوفوا خافوا وإذا رجوا رجوا والخاصة متى خوفوا رجوا ومتى رجوا خافوا.
قال في لطائف المنن: ومعنى كلام الشيخ هذا أن العامة واقفون مع ظواهر الأمر فإذا خوفوا خافوا إذ ليس لهم نفوذ إلى ما وراء العبارة بنور الفهم كما لأهل الله وأهل الله إذا خوفوا رجوا عالمين أن من وراء خوفهم وما خوفوا به أوصاف المرجو الذي لا ينبغي أن يقنط من رحمته ولا أن ييئس من منته فأحتالوا على أوصاف كرمه علماً منهم ما خوفهم إلا ليجمعهم عليه وليردهم بذلك إليه وإذا رجوا يخافون غيب مشيئته الذي هو من وراء رجائهم وخافوا أن يكون ما ظهر من الرجاء أختباراً لعقولهم هل تقف مع الرجاء أو تنفذ إلى ما بطن في مشيئته لذلك أثار الرجاء خوفهم.
دخل الجنيد رضي الله عنه على شيخه السري فوجده مقبوضاً فقال له : مالك أيها الشيخ مقبوضاً ؟ فقال : دخل علي شاب فقال لي : ما حقيقة التوبة ؟ فقلت له : أن لا تنسي ذنبك ، فقال الشاب : بل التوبة أن تنسى ذنبك ، ثم خرج عني . قال الجنيد فقلت الصواب ما قاله الشاب لأني إذا كنت في حالة الجفاء ثم نقلني إلى شهود الصفاء فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء.