من شأن الأرواح الطيبة التشوق إلى الحضرة ، والتشوف إلى العيان والنظرة ، فلا يحصل لها كمال التصديق والإيقان إلا بعد الشهود والعيان ، فلما علم الحق سبحانه من بعض الأرواح صدق الطلب ، رفع عنها الحجاب ، وفتح لها الباب ، فأخذتها صاعقة الدهشة والحيرة ، ولم تطق صدمة المشاهدة والنظرة ، فغابت عن الأشكال والرسوم في مشاهدة أنوار الحي القيوم ، ثم مَنَّ عليها بالبعث من موت الفناء إلى حياة البقاء ، فأمنت من الشقاء ، فحصلت لها الحياة الدائمة والسعادة السرمدية .
فالصاعقة عند أهل الفن هي عبارة عن الغيبة عن النفس ، وفناء دائرة الحس ، وهي شهود عدمك لوجود الحق ، والبعث منها هو مقام البقاء ، وهو شهود الأثر بالله . وهو مقام حق اليقين . وحاصلة : شهود وجود الحق وحده ، لا عدمك ولا وجودك ، « كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان » . وبالله التوفيق .
تفسير ابن عجيبة