محبة الله هي المعين الذي لا ينضب وهي الثمرة الزاهية والنعمة الباقية وهي الجنة التي ينعم العبد فيها , نعيم لا كالنعيم و سرور لا كالسرور وحبور لا كالحبور , لأن القلب يطرب ,وإن له طرب لو كان صوتاً لأسكر الأسماع ولو كان صورة لأخذ الأبصار ولو كان شعوراً لأزاح الأحزان و أورث القلب أنس تعجز عنه سبائك البيان , حينما تجتال قلبك محبة الله فإنها تسيطرعلى الكيان وتأخذ التفكير وتحرك الوجدان وترقص الجوار له والأركان , يقول أحد المحبين " إنها لتمر على لحظات يطرب القلب فيها فرحاً , حتى أقول : لو لم يكن عند أهل الجنة إلا هذا لوسعهم " فهل شعرت يوماً بهذا ؟ ؟ ؟ عذراً فإنها محجوبة إلا على أولياء الله , ويقول محب آخر وهو على نهر دجلة يغمس فيه الخبز اليابس " لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من سعادة لجالدونا عليها بالسيوف ".
وهذا آخر يقول " إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة " فهذه الجنة لا يمكن الولوج فيها إلا بمحبة الله عزوجل , ويقول ذات المحب للأعداء " أنا جنتي في صدري " الله الله جنة في قلب صغير جعلت منه بستان بهيج . . .
ويقول محب ثالث " فلا عيش إلا عيش من أحب الله وسكنت نفسه إليه واطمئن قلبه به واستأنس بقربه وتنعم بحبه ففي القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به وفيه حزن لا يذهبه إلا الإجتماع عليه والفرار منه إليه وفيه نيران حسرات لا يطفأها إلا الرضاً بأمره ونهيه وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبداً "بل إن حب الله يبلغ أكثر من هذا , يبلغ آفاق يعجز العشاق وتقصر مشاعرهم عنه , فليعلم كل عاشق أن حبه هباء ومرض و وباء وضعف وجلاء , فحب الله قد يقتل صاحبه وقد يطلبه نفسه , فإذا ما قتله كان في أعلى المقامات و أزكى الدرجات , " ولا تحسبن الذين قتلو في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ".... هكذا يكون الحب إذا عانق سويداء القلب فإنه يجعل القلب يضطرم بالأشواق تدفعه إلى لقاء الله دفعاً , و تردد عليه حتى يسعى لله ولسان الحال " وعجلت إليك ربي لترضى " و " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " وانظر إلى صور بعض من المحبين الذين قدموا انفسهم وأرواحهم . . . . فهذاعبدالله ابن جحش رضى الله عنه عندما قال في معركة أحد: اللهم لقني رجلاً شديداًحرده قوياً بأسه أقاتله فيك فيقتلني ويجدع أنفي ويقطع أذني ، فإذا لقيتك قلت فيم جدع أنفك وقطعت أذنك فأقول فيك يارب، وتنجلي المعركة عن مقتل عبدالله ابن جحش وقد جدع أنفه وقطعت " ما هذا الحب وهذه التضحية التي جعلت من الأجساد نثاراً لأجل الله وفي سبيله ومرت تلك الصور التي ليس فيها إلا لون الدم صورة أنس ابن النضر رضى الله عنه عندما لامس أذنه خبر مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فانتفض وهبّ وإشتعل بركان الحب الصادق ثم قال: قوموا فموتوا على ما مات عليه.. ثم قال : والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد.. ثم أطلق العنان لفرسه فيرحلة قصيرة إلى جنات النعيم وما هي إلا ساعة حتى حطّ رحاله في جنات الله ولم يعرف إلاببنانه, وهذا سعد ابن الربيع الأنصاري رضى الله عنه يسأل عنه خير من خلق الله ويطلب خبره فجاء إليه زيد ابن ثابت رضى الله عنه وأنظر هذا المشهد العظيم فقال : يا سعد إن رسول الله يقرأك السلام ويقول: كيف تجدك ... فقال بلحن الحبيب المودع وكأنها آخركلمة تخرج وبعدها الرحيل قال: وعلى رسول الله السلام وقل له: إني لأجد ريح الجنة.. فأخذ في الإحتضال ولابد للحبيب أن يوصي بحبيبه فقال قل لقومي الأنصار: لا عذر لكم إن خلص لرسول الله وفيكم عين تتطرف ..... ومرت تلك النسمة الطيبة على هذه الصورة المعطرة بالمسك ذلك هوعمر بن الجموح رضى الله عنه عندما قال له أبناءه لا تخرج للغزو فأنت معذور وكان به عرج شديد فذهب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال : والله يا رسول الله إني لأرجوا ان أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال النبي صلى الله عليه سلم : لقد عذرك الله ثم قال لأبناءه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يزقه الشهادة... وتحول هذا الصدق إلى عمل يبعث على الحماس و تحديث النفس بذلك فيقول عنه الصادق المصدوق" والله لكأني أراه يمشي في الجنة برجله صحيحة" فيا فوزه...ذلك الإيمان الممزوج بالحب عندما يثور ترقص الأرض طرباً له....