ومتى أثبت لك هذا الأمر فقد خلصك من نفسك وحررك من رق حظك فلا تبال معها ما فاتك من تخصيص الكرامات الحسية لأنها أمور وهمية كما أشار إلى ذلك ليس كل من ثبت تخصيصه كمل تخليصه ، قلت المراد هنا بالتخصيص تخصيصه بالكرامات الحسية ، والمراد بالتخليص تخليصه من رق الحظوظ ومن بقية السوى ، فليس كل من ثبت تخصيصه بالكرامات الحسية كمل تخليصه من حظوظه النفسية ، ليس كل من ثبت تخصيصه بالكرامات كمل تخليصه من العوائد والشهوات ، بل قد يعطي الكرامة الحسية بعض من لم يتخلص من حظوظه النفسية وحكمة ظهورها عليه ثلاثة أمور:
أحدها: أنهاضه في العمل لحصول فترة أو وقعة.
الثاني: أختبار له هل يقف معها فيحجب أو يأنف عنها فيقرب.
الثالث: زيادة في يقينه أو يقين الغير فيه لينتفع به فهي مقصودة بالتكميل على كل حال، قال سهل رضي الله عنه لرجل قال له أني أتوضأ فأجد الماء يسقط من يدي قضبان ذهب وفضة فأجابه بقوله: أما علمت أن الصبيان إذا بكوا أعطوا خشخاشة يشتغلون بها قال بعض العلماء: ما رأيت هذه الكرامات إلا على أيدي البله من الصادقين.
الكرامة العظمى هي المعرفة والإستقامة ورفع الحجاب وفتح الباب ، فلا كرامة أعظم من هذا ، ويحتمل أن يريد بالتخصيص تخصيص التقريب والهداية ، فليس كل من ثبت تخصيصه بالهداية وشروق الأنوار كمل تخليصه من رؤية الأغيار ، فقد يخصص بالمجاهدة والمكابدة ولا يتحف بالمعرفة والمشاهدة ، قوم أقامهم لخدمته وقوم أختصهم بمحبته كما تقدم ، فالعباد والزهاد ثبت تخصيصهم فهم من عوام المقربين ولم يكمل تخليصهم من شهود السوى حتى يكونوا من خواص العارفين وبالله التوفيق .