اتفق أهل الله قاطبة على أن" من لا أدب له لا سير له ومن لا سير له لا وصول له"،قال أبو حفص النيسابوري رحمه الله تعالى :" التصوف كله آداب لكل وقت آداب و لكل حال آداب و لكل مقام آداب فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب مردود من حيث يظن القبول".
ومن لَمْ يعرف مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فِي نَفْسه وَلَمْ يتأدب بأمره ونهيه كَانَ من الأدب فِي عزله وروي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :"إِن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أدبني فأحسن أدبي".
يَقُول أبو عَلِي الدقاق : العبد يصل بطاعته إِلَى الْجَنَّة وبأدبه فِي طاعته إِلَى اللَّه تَعَالَى.يَقُول بعضهم:التوحيد موجب يوجب الإيمان فمن لا إيمان لَهُ فلا توحيد لَهُ والإيمان موجب بوجب الشريعة فمن لا شريعة لَهُ فلا إيمان لَهُ ولا توحيد والشريعة موجب يوجب الأدب فمن لا أدب لَهُ لا شريعة لَهُ ولا إيمان ولا توحيد ، قَالَ عَبْد اللَّهِ الرازي : سمعت عَبْد اللَّهِ الجريري يَقُول منذ عشرين سنة مَا مددت رجلي وقت جلوسي فِي الخلوة فَإِن حسن الأدب مَعَ اللَّه تَعَالَى أولى.
يقول أبو عَلِي الدقاق : "ترك الأدب موجب يوجب الطرد فمن أساء الأدب عَلَى البساط رد إِلَى الباب ومن أساء الأدب عَلَى الباب رد إِلَى سياسة الدواب" وقيل : للحسن البصري قَدْ أَكْثَر النَّاس فِي علم الآداب فَمَا أنفعها عاجلا وأوصلها جلا فَقَالَ : التفقه فِي الدين والزهد فِي الدنيا والمعرفة مِمَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عليك. وَقَالَ يَحْيَي بْن معاذ : "من تأدب بأدب اللَّه تَعَالَى صار من أهل محبة اللَّه تَعَالَى" وَقَالَ سهل : "الْقَوْم استعانوا بالله تَعَالَى عَلَى أمر اللَّه تَعَالَى وصبروا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى آداب اللَّه تَعَالَى" وَرَوَى عَنِ ابْن مبارك أَنَّهُ قَالَ : "نحن إِلَى قليل من الأدب أحوج منا إِلَى كثير من العلم".
يَقُول أبوالنصر الطوسي السراج : النَّاس فِي الأدب عَلَى ثَلاث طبقات أما أهل الدنيا فأكثر آدابهم فِي الفصاحة , والبلاغة , وحفظ العلوم , وأسماء الملوك , وأشعار العرب , وَأَمَّا أهل الدين فأكثر آدابهم فِي رياضة النفوس , وتأديب الجوارح , وحفظ الحدود , وترك الشهوات , وَأَمَّا أهل الخصوصية فأكثر آدابهم فِي طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت وقلة الالتفات إِلَى الخواطر وحسن الأدب فِي مواقف الطلب وأوقات الحضور ومقامات القرب.
وحكى عَن سهل بْن عَبْد اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : "من قهر نَفْسه بالأدب فَهُوَ يعبد اللَّه تَعَالَى بالإخلاص".
سئل الدقاق رحمه الله تعالى بماذا يقوم الرجل اعوجاجه ؟ فقال بالتأديب بإمام فإن لم يتأدب بإمام بقي بطّالاً فعلى من أراد الافتداء بهم أن يلزم الأدب في كل شيء فمن لزم الأدب معهم أخذ قلوبهم بأجمعها و ذلك عندهم مقياس على المريد إذا بالأدب يأخذون من ذلك للدخول على الله ، و كل من سقط من رتبته إلا بسبب إساءة أدبه .
و بالأدب الظاهر يحصل الأدب الباطن أعني التعظيم إذ سوء الأدب ينشأ عن عدم التعظيم و عدم التعظيم من ضعف المحبة و ضعف المحبة من التفات القلب إلى الغير فلو حصلت المحبة لحصل التعظيم ولو حصل الأدب لحصل التحقيق .