الإشارة
لا يُشترط في الولي ظهور الكرامة ، وإنما يشترط فيه كمال الاستقامة ، ولا يشترط فيه أيضً هداية الخلق على يديه؛ إذ لم يكن ذلك للنبيّ فكيف يكون للولي؟ قال تعالى : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ يُونس : 99 ] وقد سَرَى في طبع العوام ما سَرَى في طبع الكفار ، قالوا : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً } [ الإسرَاء : 90 ] الآية . فكثير من العوام لا يقرون الولي حتى يروا له آية أو كرامة ، مع أن الولي كلما رسخت قدمه في المعرفة قلَّ ظهور الكرامة على يديه؛ لأن الكرامة إنما هي معونة وتأييد وزيادة إيقان . والجبل الراسي لا يحتاج إلى عماد .والحق هو ما قاله الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : ( وإنهما كرامتان جامعتان محيطتان : كرامة الإيمان بمزيد الإيقان على نعت الشهود والعيان ، وكرامة العمل على السنة والمتابعة ، ومجانبة الدعاوى والمخادعة ، فمن أُعْطِيَهُمَا ثم اشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب ، أو ذو خطأ في العلم والفهم ، كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضى والكرامة ، ثم جعل يشتاق إلى سياسة الدوام وخِلَعِ الرضا ) أو كما قال رضي الله عنه .
وقال شيخنا رضي الله عنه : ( الكرامة الحقيقية هي الأخلاق النبوية والعلوم اللدنية ) . فمن أنكر أولياء أهل زمانه وطلب منهم الدليل غير ما تقدم فقد ضلّ سواء السبيل ، وبقي مربوطاً في سجن البرهان والدليل . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ..
تفسير ابن عجيبة