إنّ الدين الإسلامي الذي جاء به الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم تضمّن ثلاثة أقسام رئيسيّة ، وكلّ قسم من هذه الأقسام يتناول بالبحث موضوعا معيّنا ، وهاته الأقسام الثلاثة تعني بمجموعها الكتاب والسُّنّة ، وتفصيلها كالآتـــي :
- أولاً : قسم يتعلّق بالعقيدة والتوحيد :ويشمل كلّ آية وحديث يتكلّم في موضوع الإيمان وأركانه ، وهو الإيمان بالله والملائكة والكتب السماويّة والرسل واليوم الآخر والقدَر خيره وشرّه وكلّ الغيبيات ، وقد سُمِّيَ هذا العلم بـ :علم العقيدة أو علم التوحيد .
- ثانيا : قسم يتعلّق بأعمال المكلَّف :
ويشمل كلّ آية وحديث يتكلّم في موضوع العبادات : كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، والمعاملات : كالبيع والشراء ... ، وكذا الحدود والجنايات والأحوال الشخصيّة والحكم والقضاء وغيرها . وقد سمّي هذا العلم بـــ: علم الفقه .
- ثالثاً: قسم يتعلق بنفس المكلف :
ويشمل كلّ آية وحديث يتكلّم عن الجانب الأخلاقيّ والآداب الإسلاميّة . قال عليه الصلاة والسلام : « إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق » ، ، وقد سمّي هذا العلم بـــ: علم التصوّف .
وهذه الأقسام الثلاثة كلّها تتجلّى في حديث سيّدنا جبريل عليه السلام الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهيئة رجل ليُعلِّم الصحابة دينهم ، فسأل عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان ، وكلّ واحد منها يُمثّل قسما من العلوم التي ذكرناها ، والشاهد في ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم فـي آخـر الحـديث : « فإنّه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم » ، رواه مسلم .
فالإسلام طاعة وعبادة ، والإيمان نور وعقيدة ، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة : « أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك » .
هذا، وقد أشار بعض العلماء إلى أنّ مجمـوع آيات القـرآن الكريــم ( 6236 ) آية ، وأنّها تنتظم تحت ثلاثة مواضيع رئيسيّة هي :
- التوحيد ، ومجموع آياته نحو 1000 آية .
- التشريع ، ومجموع آياته نحو 300 آية .
- التهذيب ، ومجموع آياته نحو 5000 آية .
وهذا أمر مُلفِت للنّظر ، ويدعو للتأمّل . تُرى لماذا جعل الله تعالى أكثر آيات القرآن الكريم موجّهة لتهذيب النفس الإنسانية ؟ فالتصوّف إذَنْ من أقسام الدين الذي أمرت به الأمّة كلّها ، والذي ربط الله تعالى به الفلاح بقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } سورة الشمس :09/10 .
وقد تعدّدت الأقوال في اشتقاق معنى التصوّف ولكن جميع هذه الأقوال تنصبّ في مفهوم واحد : هو الصفاء والنقاء . ومهما يكن من أمر، فإنّ التصوّف أشهر من أن يحتاج في تعريفه إلى قياس لفظٍ ، واحتياج اشتقاق ، وإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنّه لم يُسمع في عهد الصحابة والتابعين مردود ، إذ كثيرٌ من الاصطلاحات أحدثت بعد زمان الصحابة ، واستُعملت ولم تُنكَر ، كالنحو والفقه والمنطق . وعلى كلٌّ فإنّنا لا نهتمّ بالتعابير والألفاظ بقَدْرِ اهتمامنا بالحقائق والأسس . وعندما نتحدّث عن التصوّف فإنّما نقصد به تزكية النفوس ، وصفاء القلوب ، وإصلاح الأخلاق ، والوصول إلى مرتبة الإحسان ، فنسمِّي ذلك تصوّفاً ، وإن شئت فسَمِّهِ الجانب الروحيّ في الإسلام ، أو الجانب الإحسانيّ ، أو الجانب الأخلاقيّ ، أو سَمِّهِ ما شئت ممّا يتّفق مع حقيقته وجوهره ؛ إلاَّ أنّ علماء الأمّة قد توارثوا اسم التصوّف وحقيقته عن أسلافهم من المرشدين منذ صدر الإسلام حتّى يومنا هذا ، فصار عُرفاً فيهم ، ولا مشاحّة في الاصطلاح كما قال أهل العلم .
قال أبو الفتح البستي رحمه الله تعالى :
تنازع الناس في الصوفيّ واختلفـوا
وظنّـه البعض مشتقّـا من الصـوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتـــى
صَفَـا فصُوفِـيَ حتّى سُمّيَ الصوفـي
وقد أورد العلماء تعريفات عديدة لمصطلح التصوّف ، وبالرغم من اختلاف التعاريف إلاّ أنّها كلّها تصبّ في معنى واحد ، وهو تزكية النفس . قال الإمام القشيري رضي الله عنه في رسالته القشيريّة : ( التصوّف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبديّة ). وقال الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه في جواهر المعاني : ( التصوّف هو امتثال الأمر واجتناب النهي في الظاهر والباطن من حيث يرضى الله لا من حيث ترضى ).ولتقريب هذا العلم وحقيقته من الأذهان نقول : إنّ الله أمر بالصلاة فقال : { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ } . فإذا أردنا الصلاة نذهب إلى الفقهاء فنتعلّم منهم أنّ للصلاة شروطاً وأركاناً وواجبات ، كالطهارة من الحدثين واستقبال القبلة... إلخ . هذا العلم يسمّى " الفقه " . ولكن الله عزّ وجلّ يقول أيضاً { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } ، سورة المؤمنون : 1/2 ، فالخشوع أيضاً مطلوب في الصلاة كإقامة الصلاة ، ولكنّنا لو فتّشنا وبحثنا في كتب الفقه فلن نجد لكيفية الخشوع أو لتحصيله جواباً . غير أنّ هناك علماً خاصّا مستقلاّ كالفقه تماماً يعنى بفقه القلوب فيبيّن السبيل الموصلة إلى الخشوع ، وهذا هو الفقه المُسمّى " التصوّف " . والتصوّف لا يخرج مطلقاً عن حدود الشرع الشريف ، فتلبّسه بالشرع الحنيف كتلبّس الروح بالجسد . ويتمثّل هدف التصوّف الأسمى في تزكية النفس البشريّة وتطهيرها من الأدناس والأرجاس قصد الوصول بها إلى حضرة الحقّ تبارك وتعالى وتحقيق السعادة الأبديّة .
فجملة التكاليف الشرعيّة التي أُمر بها الإنسان في خاصّة نفسه ترجع إلى قسمين : أحكام تتعلّق بالأعمال الظاهرة ، وأحكام تتعلّق بالأعمال الباطنة . أو بعبارة أخرى : أحكام تتعلّق ببدن الإنسان وجسمه ، وأعمال تتعلّق بقلبه .
فالأعمال الجسميّة نوعان : أوامر ونواهٍ . فالأوامر الإلهيّة : كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ... ، وأمّا النواهي : كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر ... .
وأمّا الأعمال القلبيّة فهي أيضاً أوامر ونواهٍ . أمّا الأوامر : فكالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ... ، وكالإخلاص والرضا والصدق والخشوع والتوكّل ... . وأمّا النواهي : فكالكفر والنفاق والكبر والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد . ونجد هذا في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
1 - قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ، [الأعراف : 33].
2 - وقوله تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ، [الأنعام : 151]. والفواحش الباطنة كما قال المفسّرون هي : الحقد والرياء والحسد والنفاق ... وغيرها .
3 - قوله صلّى الله عليه وسلّم : « لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا » .
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرة مِنْ كبر » [ رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه ].
وقد شهد للتصوّف أكابر العلماء الذين أجمعت الأمّة الإسلاميّة على إمامتهم وجلالة قدرهم ، كالأئمّة الأربعة وغيرهم . وإليك بعض شهاداتهم على سبيل المثال لا الحصر :
1 - روي عن الإمام مالك - رحمه الله - أنّه قال : " من تفقّه ولم يتصوّف فقد تفسّق، ومن تصوّف ولم يتفقّه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقّق " . ( نقلاً عن حاشية العدوى على الزرقاني 2/195 . وشرح عين العلم وزين الحلم للملا علي القاري 1/33 ) .
2 - وقال الإمام الشافعي - رحمه الله - : " حبّب إليّ من دنياكم ثلاث : ترك التكلّف، وعِشرة الخلق بالتلطّف ، والاقتداء بطريق أهل التصوّف . ( نقلاً عن تأييد الحقيقة العليّة للسيوطي ص 15 ، وكشف الخفا للعجلوني 1/408 ) .
3 - أمّا الإمام أحمد - رحمه الله - فقد قال – بعد أن صحب أبا حمزة البغدادي – يوصي ولده عبد الله: " يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم ، فإنّهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلوّ الهمّة " ، ويقول أيضاً : " لا أعلم أقواماً أفضل منهم " ، أيّ الصوفيّة .
كما نرى أيضا بعض العلماء ينصحون الناس بالدخول مع الصوفيّة و صحبتهم ليتذوّقوا معاني الصفاء القلبيّ والسموّ الخُلقيّ ، وليتحقّقوا بالتعرّف على الله تعالى المعرفة اليقينيّة فيتحلّوْا بحبّه ومراقبته ودوام ذكره .
قال حجّة الإسلام الإمام الغزالي ، بعد أن اختبر طريق التصوّف ولمس نتائجه وذاق ثمراته : " الدخول مع الصوفيّة فرض عين ، إذ لا يخلو أحد من عيب إلاّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) [النصرة النبويّة على هامش شرح الرائية للفاسي ص26 ]. وكلام الإمام الغزالي هنا يعتبر اجتهادا فرديّا مبنيّا على التجربة الشخصيّة التي خاضها في منهج التصوّف .
هذا ، وقد اعتمد التصوّف على أصول ومرتكزات وقواعد انبنى عليها ، ويتمثّل أصل التصوّف في الاعتماد على الكتاب والسُّنّة علما وعملا وسلوكا . وهذا ما يظهر من خلال أقوال أهل التصوّف ، حيث يقول الإمام الجنيد - رحمه الله - : " مذهبنا هذا مقيّد بأصول الكتاب والسنّة " . أمّا قواعد ومقاصد التصوّف فقد تناول الحديث عنها كلّ من الإمام النووي في كتابه مقاصد التصوّف والشيخ أحمد زرّوق في كتابه قواعد التصوّف ، ويستخلص من كلاهما أنّ أساس التصوّف هو تقوى الله تعالى ، ومقصده تحقيق العبوديّة لله سبحانه وتعالى .
ومن المعلوم عند أهل العلم أنّ لكلّ علم وفنّ عشرة مبادئ وهي : الحدّ والموضوع والواضع والاسم والاستمداد والحكم والمسائل والفضيلة والنسبة والثمرة .
قال الناظم :
إنّ مبـادي كـلّ فـنّ عشـره ّ
الحـدّ والموضوع ثمّ الثمـره
وفضلـه ونسبـه والواضـع
والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى
ومن درى الجميع حاز الشرفا
وقد تحقّقت هذه المبادئ في التصوّف كالآتي :- حدّ التصوّف : هو صدق التوجّه إلى الله تعالى . قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ سورة البيّنة : الآية 05 ] .
- موضوع التصوّف : هو النفوس والقلوب والأرواح لأنّه يبحث عن تصفيتها وتهذيبها . قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } [ سورة الأعلى : 14 ] .
- واضع التصوّف : هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، علّمه الله تعالى له بالوحي والإلهام . قال تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [ سورة الجمعة : الآية 02 ] .
- إسم التصوّف : علم التصوّف ، ويطلق عليه أيضا بأسماء أخرى لها نفس المدلول والمعنى مثل :علم السلوك – علم التزكية - علم الأخلاق ... .
- إستمداد التصوّف : يستمدّ التصوّف أصوله ومبادئه من الكتاب والسنّة وإلهامات الصالحين وفتوحات العارفين . قال تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } [ سورة الكهف : الآية 65 ].
، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون. فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم » .
- حكم التصوّف : وأمّا حكم الشارع فيه فهو فرض عين على كلّ مسلم ، فقد أرشد الله تعالى عباده في القرآن الكريم إلى تزكية النفس وتهذيبها قصد الفوز والفلاح دنيا وأخرى . قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } سورة الشمس :09/10 .
- مسائل التصوّف: وأمّا تصوّر مسائله فهي معرفة اصطلاحاته والكلمات التي تداولت بين القوم : كالإخلاص والصدق والتوكّل والزهد والورع والرضى والتسليم والمحبّة والفناء والبقاء ، وكمعرفة حقيقة الحال والوارد والمقام وغير ذلك .
- فضيلة التصوّف : يظهر فضل التصوّف في ارتباطه وتعلّقه بالله تعالى ، أيّ توجيه القلب نحو حضرة الحقّ تبارك وتعالى ، ولذا قال الجنيد : " لو نعلم أنّ تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلّم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه " . وقال العلاّمة الصقلّيّ - رحمه الله - في كتابه المسمّى أنوار القلوب في العلم الموهوب : " وكلّ من صدّق بهذا العلم فهو من الخاصّة . وكلّ مَن فهمه فهو من خاصّة الخاصّة . وكلّ من عبّر عنه وتكلّم فيه فهو النجم الذي لا يدرك ، والبحر الذي لا ينزف ".
- نسبة التصوّف : وأمّا نسبته من العلوم فهو كليّ لها ، وشرط فيها ، إذ لا علم ولا عمل إلاّ بصدق التوجّه إلى الله تعالى . فالإخلاص شرط في الجميع ، هذا باعتبار الصحّة الشرعية والجزاء والثواب . وأمّا باعتبار الوجود الخارجيّ ، فالعلوم توجد في الخارج بدون التصوّف لكنّها ناقصة أو ساقطة . ولذلك قال السيوطي -رحمه الله - : " نسبة التصوّف من العلوم كعلم البيان مع النحو ، يعني هو كمال فيها ومحسّن لها ".
- ثمرة التصوّف: وأمّا ثمرته وفائدته فتهذيب القلوب ومعرفة علاّم الغيوب ، أيّ سخاوة النفوس وسلامة الصدور وحسن الخلق مع كلّ مخلوق .
وبهذا يظهر أنّ التصوّف علم من علوم الدين الثلاثة ( الإسلام أو علم الفقه - الإيمان أو علم التوحيد - الإحسان أو علم التصوّف ) ، والذي يتمثّل في الإحسان " أعبد الله كأنّك تره فإن لم تكن تراه فإنّه يراك " .
ولقد أثبت علمية التصوف العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى في مقدمته فقال : " هذا العلم من العلوم الشرعيّة الحادثة في الملّة ، وأصله أنّ طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمّة وكبارها من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم طريقةَ الحقّ والهداية ، وأصلُها العكوفُ على العبادة والانقطاع إِلى الله تعالى ، والإِعراضُ عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهدُ فيما يُقبِل عليه الجمهور من لذّة ومال وجاه ، والانفرادُ عن الخلق في الخلوة للعبادة . وكان ذلك عامّاً في الصحابة والسلف ، فلمَّا فشا الإِقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده ، وجنح الناس إِلى مخالطة الدنيا ، اختصّ المقبلون على العبادة باسم الصوفيّة " [ مقدّمة ابن خلدون ص 328. وهو عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر محمد بن خلدون الحضرمي ولد عام 732 هـ وتوفّي سنة 808 هـ ].
إنّ هذا الكلام الصادر من العلاّمة ابن خلدون وغيره من كلام العلماء من قبله ومن بعده ، يبيّن لنا بوضوح مدى أصالة انتماء التصوّف إلى حقل العلوم والمعارف الشرعيّة ، ومدى علميّة ما يطرحه هذا العلم من معرفة عن الله عزّ وجلّ ، ثمّ عن الكون والحياة والإنسان . وبهذا يتّضح جليّا أنّ التصوّف علم شرعيّ قائم بذاته ، له أصوله وقواعده ومصطلحاته ورجاله وكتبه ومصنّفاته ومناهجه ومقاصده .
{ وَقُل اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولَهُ وَالْمُومِنُونَ } صدق الله العظيم .
بقلم الأستاذ : عاد التجاني