كان سيدي محمد بن عنان يقلل الأكل جدا حتى لا يدخل الخلاء إلا قليلا ويقول :" إن أحدنا مجالس لله على الدوام ولو لم يشعر بذلك" وإذا قال الملك لعبده تهيأ لمجالستي فإني أريد أنك تجالسني ثلاثة أيام مثلا فمن أدبه أن يستعد لذلك بقلة الأكل والشرب وإلا لزمه أن يقوم من تلك الحضرة الشريفة إلى البول والغائط وهو مكشوف السوءتين والشياطين حوله لا يقربه ملك وهو جالس في مكان نجس على أقبح صورة وأنتن ريح وكذلك.
بلغنا عن الإمام البخاري أنه كان يقلل الأكل حتى انتهى أكله إلى تمرة أو لوزة في كل يوم من غير ضرر، وكذلك بلغنا عن الإمام مالك أنه كان يأكل كل ثلاثة أيام أكلة واحدة ويقول:" أستحي من ترددي للخلاء بين يدي الله عز و جل" ولما حج الشيخ أفضل الدين أحرم بالحج مفردا فمكث نحو خمسة عشر يوما لا يبول ولا يتغوط يقول : "أستحي من الله أن أقذر هذه الأرض المشرفة بشيء من فضلاتي". وكذلك رأيت أخي الشيخ أبا العباس الحريثي رحمه الله كان لا يدخل الخلاء إلا قليلا.
فَبِهُدى هذه الأشياخ يا أخي اقتد وقد أنشد سيدي أبو المواهب من موشح : أنت حاضر في الحضرة ... ليت شعري هل تدري فتحتاج يا أخي إلى شيخ يسلك بك حتى تعرف عظمة الله تعالى وتعرف مقدار حضرته وأهلها وتصير يشق عليك مفارقتها حتى ترى الضرب بالسيف أهون عليك من مفارقتها وإلا فمن لازمك التهاون بها لأنك لم تعرف للحضور مع الله طعما والله يتولى هداك.