الإشارة: أهل القلوب من العارفين، الأوقاتُ كلها عندهم ليلة القدر، والأماكن عندهم كلها عرفات، والأيام كلها جمعات، لأنّ المقصود من تعظيم الزمان والمكان هو باعتبار ما يقع فيه من التقريب والكشف والعيان، والأوقات والأماكن عند العارفين كلها سواء في هذا المعنى، كما قال شاعرهم:
لولا شهود جمالكم في ذاتي | ما كنت أرضى ساعة بحياتي | |
ما ليلةُ القدر المعظَّم شأنها | إلاَّ إذا عمرَتْ بكم أوقاتي | |
إنَّ المحب إذا تمكّن في الهوى | والحب لم يحتج إلى ميقات |
وقال آخر:
وكل الليالي ليلةُ القدر إن بدا | كما كلُّ أيام اللقا يومُ جمعةِ | |
وسعيٌ له حجٌّ، به كلُّ وقفةٍ | على بابه قد عادلت ألف وقفةِ |
وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: نحن ـ والحمد الله ـ أوقاتنا كلها ليلة القدر. لأنَّ عبادتهم كلها قلبية، بين فكرة واعتبار، وشهود واستبصار، و " فكرة ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " ، كما في الأثر، بل فكرة العيان تزيد على ذلك، كما قال الشاعر:
كلُّ وقت من حبيبي | قَدْرُه كألف حجة |
وقد يقال: ثواب هذه العبادة كشف الحجاب, وشهود الذات الأقدس هو لا يقاس بمقياس. وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة