إذا اطلق الله تعالى الثناء عليك على ألسنة خلقه بما لاتعلمه من نفسك ولست بأهل له فأثن عليه بما هو أهله ، أي بما يستحقه من التعظيم ، ليكون ذلك شكرا لنعمة إطلاق الالسنة بالثناء عليك ، وأيضا فانه هو الذي ستر عنهم مساويك ، وأظهر لهم محاسنك ولو أظهر لهم ذرة من مساويك لمقتوك وأبغضوك ، فإن العبد محل النقائص والحق تعالى محل الكمالات ، فكل ماظهر عليك من الكمالات فانما هي رشحة من كمالاته تعالى ، فالثناء في الحقيقة انما هو لله فاذا وقع عليك فرده أنت إلى أصله وفي الحقيقة ماوقع إلا في أصله ولكن لما اختلف القصد اختلف الحكم ، أثني على بعض السادات وهو ساكت فقيل له في ذلك فقال وماعلي من ذلك ولست أغلط في نفسي بل لست في البين والمجري والمنشيء هو الله تعالى .هذه حالة أهل الجمع وكان بعض السادات يستعمل الفرق اذا سمع الثناء عليه ألقى على رأسه التراب في خلوته.
فأهل الفهم عن الله يستمعون إلى الخطاب , فإذا سمعوه مدحهم بشئ نظروا ، فإذا كان فيهم علموا أنه تنبيه لهم على مقام الشكر وأن لم يجدوه فيهم علموا أنه تنبيه لهم على تحصيل ذلك المقام ولهذا لما سمع أبو حنيفة قوماً يمدحونه بقيام الليل كله وكان لا يقوم إلا نصفه جعل يقوم الليل كله . وقد ذم الله قوماً أحبوا أن يمدحوا بما لم يفعلوا فقال :{ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ }.
والناس في حالة المدح والذم على ثلاثة أقسام قسم يفرحون بالمدح ويكرهون الذم لأن نفوسهم غالبة عليهم ولاشك أنها تفرح بالعز والرفعة وتنقبض بالذم والضعة وهم العوام الغافلون ، وقسم يكرهون المدح ويحبون الذم لانهم في مجاهدة نفوسهم فكل مايؤلمها ويقتلها أقبلوا عليه وكل مايحييها ويقويها فروا منه وهم العباد والزهاد والسائرون من المريدين ، وقسم يفرحون بالمدح لشهوده من مولاهم وينقبضون من الذم لشهودهم جلال من به تولاهم وهم العارفون.