" نفوسٌ خُلِقت متيقّظة من ذاتها مقبلة على بارئها بالفطرة معرضة عن ما سواه وهذه هي نفوس الأنبياء وخواص الأصفياء أشرق عليها نور الحق فجذبها إليه وتسمى مطمئنة.
والقسم الثاني نفوس أعرضت بالكلية على الحق تعالى وغلب عليها حب المحسوسات وشهوات الأجسام لاستيلاء الوهم عليها فأنكرت اللذّات الروحانية والمدارك العقلية, وهذه هي نفوس الأشقياء, فهي محجوبة عن الله تعالى مطرودة عن جنابه ولا مطمع في نجاتها وتسمى الأمّارة .
والقسم الثالث نفوس أقبلت على حب المحسوسات إقبالاً متوسطاً ولم تستغرق فيها قوتها بالكلية بل بقي في قوتها من اليقظة والفطنة ماتُدرِك به لذّة المعاني العقلية وتطلب الفضائل وتنفر عن الرذائل فكان لها نظر إلى الجانب الأعلى بقدر مافيها من اليقظة ونظر إلى الجنبة السفلى بقدر ميلها إلى حب الشهوات الطبيعية, وتسمى اللوّامة.
فهذه وإن كانت محجوبةً عن الحقائق الربانية يمكن أن تتزكّى بالرياضة وتلحق برتبة السعداء, وهذا الصنف هم الذين وُضعت لهم مراتب السلوك, وإليهم قصدنا بهذا التنبيه...
إذ الصنف الأول لايحتاجون إلى سلوك فإن الحق تعالى أرادهم فاختصهم لعنايته, والصنف الثاني طُبعوا على الشقاء في أم الكتاب ولا تبديل لخلق الله, والصنف الثالث هم أصحاب الرياضة لأن الأصل طهارة النفس وخلوصها من آثار الظلمة .
ابن الدباغ