آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الحكم العطائية ( 108 ) :سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور البشرية .


( سُبْحانَ مَنْ سَتَرَ سِرَّ الخُصوصِيَّةِ بِظُهورِ البَشَرِيَّةِ، وَظَهَرَ بِعَظَمَةِ الرُّبوبِيَّةِ في إظْهارِ العُبُودِيَّةِ)

الخصوصية هي نور الحق يشرقه الله في قلوب خواص عباده المقربين بعد تطهيرها من الأكدار وتنزيهها عن المساوي والأغيار ، يغيبون به عن شهود أنفسهم بشهود محبوبهم ، وسرها هو ما احتوى عليه ذلك النور من الكمالات العلية والنعوت القدسية والصفات السنية التي تليق بالمتحلى به : كالكبرياء والعز والقوة والعظمة والإجلال ، وكالإتصاف بالقدرة التامة والعلم المحيط وسائر أوصاف الكمال ، ثم إن الحق سبحانه من عظيم حكمته وباهر قدرته أن ستر تلك الأوصاف اللازمة لذلك النور بظهور أضدادها التي هي أوصاف العبودية ، فستر كبرياءه وعظمته بظهور الذل والفقروالضعف على العبد ، وستر قدرته وإراداته بظهور العجز والقهرية عليه ، وستر علمه المحيط بظهور الجهل والسهو ، إلى غير ذلك من أوصاف العبودية المقابلة لأوصاف الربوبية ، فسبحان من جعل الأشياء كامنة في أضدادها ، ستر كمالات الربوبية بنقائص العبودية ، ولولا ذلك لكان السرغير مصون والكنز غير مدفون وسيأتي قوله : "ستر أنوار السرائر بكثائف الظواهر إجلالاً لها أن تبتذل بالإظهار وأن ينادي عليها بلسان الإشتهار". فمن لطف الله تعالى ورحمته أن ستر ذلك السر بظهور نقائصه صوناً لذلك السر أن يظهر لغير أهله ، ومن أفشاه لغير أهله قتل كما فعل بالحلاج ، وكما ستر سر الخصوصية بظهور أضدادها ، ظهر بعظمة الربوبية في مظاهر العبودية ، قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه :العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية.

إذ الربوبية تقتضي مربوباً موصوفاً بضد ما أتصف به ربه من الكمالات الإلهية والنعوت القدسية فما ظهرت أوصاف الربوبية التي هي الغنى والعز والقدرة وغير ذلك من الكمالات ، إلا في أضدادها من الفقر والذل والضعف وغير ذلك ، فالفقر الحقيقي شامل لسائر الموجودات والغنى المطلق واجب لمن تجلى في الأرض والسموات :{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }.

فإذا تقرر هذا علمت أن الإضافة في سر الخصوصية ليست هي للبيان بل هي للتخصيص ، فسر الخصوصية غيرها إذ الخصوصية هي النور الذي يقذفه الله سبحانه في قلوب أوليائه وسرها هو الكمالات التي تلازم ذلك النور كما تقدم .

واعلم أن سر الخصوصية الذي جعله الله في بواطن أوليائه وستره بظهور وصف بشريتهم ، قد يظهره عليهم على وجه خرق العادة ، فقد يظهر على وليه من قدرته وعلمه وسائر كمالاته ما تحار فيه العقول وتذهل فيه الأذهان ، لكن لا يدوم ذلك لهم بل يكون على سبيل الكرامات وخرق العادات يشرق عليهم شموس أوصافه فيتصفون بصفاته ثم يقبض ذلك عنهم فيردهم إلى حدودهم .

فنور الخصوصية وهي المعرفة ثابت لا يزول ساكن لا يحول ، وسرها وهو كمالاته تعالى تارة يشرق على أفق بشريتهم فيستنير بأوصاف الربوبيه ، وتارة ينقبض عنهم فيردون إلى حدودهم وشهود عبوديتهم فالمعرفة ثابته والواردات مختلفة والله تعالى أعلم.

واعلم أيضاً أن أوصاف البشرية التي ستر الله بها سرالخصوصية ، إنما هي الأوصاف الذاتية اللازمة للبشر كالأكل والشرب والنوم والنكاح ، لا الأوصاف المذمومة المناقضة للعبودية كالكبر والعجب والحسد والغضب وغير ذلك ، فإن تلك أوصاف ذهبت بظهور نور العناية وسابق الهداية إذ لا تثبت الخصوصية إلا بعد محوها ، بخلاف الأوصاف الذاتية فإنها تجامع الخصوصية بل هي حجابها وصوانها ، وبوجودها وقع الستروالخفاء لأولياء الله تعالى غيرة عليهم أن يعرفهم من لا يعرف قدرهم قال في لطائف المنن: "فأولياء الله أهل كهف الإيواء فقليل من يعرفهم". وسمعت الشيخ أبا العباس رضي الله عنه يقول : معرفة الولي أصعب من معرفة الله فإن الله معروف بكماله وجماله ، ومتى تعرف مخلوق مثلك يأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب ، وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته وأشهدك وجود خصوصيته.

تنبيه : هذا النور الذي أشرقه الله في قلوب أوليائه كان كامناً في الروح في أصل بروزها فأصلها نورانية عالمة بأسرار الغيب دراكة للأشياء على حقيقتها وإنما حجبها عن ذلك سجنها في هذا البدن الطيني وأشتغالها بحظوظه وشهواته فمن أدبها وريضها على يد شيخ كامل رجعت إلى أصلها.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية