النفس: بالتحريك، قال القشيري: يعنون به ترويح القلوب بلطائف الغيوب، فصاحب الأنفاس أرفع من صاحب الأحوال ومن صاحب الوقت، فكأن صاحب الوقت مبتدئ وصاحب الأنفاس منتهى وصاحب الأحوال بينهما، فالأوقات لأصحاب القلوب والأحوال لأصحاب الأرواح والأنفاس لأهل السرائر.
قلت: النفس أدق من الوقت، فحفظ الأوقات من التضييع للعباد والزهاد وحفظ الأنفاس للعارفين الواصلين واستعمال الأحوال للمريدين، والمراد بحفظ الوقت حضور القلب فيه وبحفظ النفس حضور السر في مشاهدة الحق، يقال فلان طابت أنفاسه إذا صفا مشربه من عين التوحيد من كدورة الأغيار، فقوله في حد النفس وترويح القلوب أي خروجها من تعب العسة ودوام المراقبة إلى راحة المشاهدة بما يبدو لها من لطائف أسرار التوحيد وفضاء الشهود. ثم قال القشيري: وقالوا أفضل العبادة حفظ الأنفاس أي دوام الفكرة والنظرة كما قال الشاعر:
من أحسن المذاهب *** سكر على الدوام
و أكمل الرغائب *** وصل بلا انصرام
قال أبو على الدقاق: العارف لا يسلم له النفس أي تضييعه إذ لا مسامحة تجرى معه أو المحب لابد له من النفس، إذ لولا ذلك لتلاشى لعدم طاقته. فالعارف لما اتسعت معرفته سهل عليه حفظ أنفاسه لسهولة حضوره وتمكن شهوده بخلاف المحب فلضيق حاله لا يستطيع دوام حضوره في خدمته وعلى تقدير سهولتها عليه لفنائه فيها قد تختل بشريته ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :(روحوا قلوبكم بشيء من المباح) أو كما قال صلى الله عليه وسلم لحنظلة والصديق: (لو تدومون على ما انتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة ولكن ساعة بساعة).