الأنس : هو فرح وسعادة غامرة تملأ القلب بالمحبوب الذي هو الله ، وهو حال يصل إليه السالك ، معتمداً على الله ، ساكناً إليه ، مستعيناً به . وفي الأنس ترتفع الحشمة وتبقى الهيبة مع الله ، وبذلك يكون الأنس طمأنينة ورضا بالله .
كتب مطرف بن عبد الله بن الشحير إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز كتاباً قال فيه : « ليكن أنسك بالله وانقطاعك إليه ، فإن لله تعالى عباداً استأنسوا بالله فكانوا في وحدتهم أشد استئناساً من الناس في كثرتهم وأوحش ما يكون الناس ، ما آنس يكونون ، وآنس ما يكون الناس أوحش ما يكونون » ...
وقد حكي عن داوود الطائي أن أحد الدراويش رآه مرة مبتسماً فقال له : يا أبا سليمان من أين لك هذا الانشراح ؟
فقال داوود:«أعطوني الصباح شراباً يقال له شراب الأنس ، فاليوم يوم عيد أسلمت نفسي للابتهاج فيه».
ويبين لنا الإمام الغزالي أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة ، بيد أنها جميعاً تختلف بحسب نظرة المريد الصادق وما يغلب عليه في وقته ، وإذا غلب على حاله الأنس لم تكن له رغبة إلا في العزلة والخسارة والانفراد ، وذلك كما حدث لإبراهيم بن أدهم ، فقد سئل مرة : من أين أقبلت ؟ فقال : من الأنس بالله … ذلك لأن الأنس بالله يلازمه التوحش ، أي شعور بالغربة مع غير الله ، ولهذا فإن أثقل الأشياء على المريد الصادق أن يجد في قلبه ما يعوق تلك الخلوة بالله ، ولذلك يقول أحد الصوفية : « يا من آنسني بذكره ، وأوحشني من خلقه » .
وقال بعض الحكماء : يقول : « عجباً للخلائق كيف أرادوا بك بدلاً ؟ عجباً للقلوب كيف استأنست بسواك عنك ؟ ».
وعلامة الأنس ضيق في الصدر من معاشرة الخلق ، والتبرم منهم ، وعدم الإحساس بعذوبة الذكر في مجلسهم ، وإذا أجتمع الأنس بالناس فهو وحيد مع الجماعة ، وجالس بينهم في وحدة ، كأنه غريب في مدينة ، وحاضر في سفر ، وشاهد في غيبة ، وغائب في حضور ، يخالط الناس بالبدن لكنه منفرد بنفسه وبقلبه ، مستغرق في عذوبة الذكر .
ويروى عن علي بن أبي طالب قوله في وصف أصحاب الأنس بالله : « هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدانهم ، أرواحهم معلقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه .
هذه هي علامات الأنس بالله ، وهذه حقائقها ومعناها » .