وسمعته رضي الله تعالى عنه يقول : إنّ الذين ألّفُوا في كرامات الأولياء رضي الله تعالى عنهم ، وإنْ نفعواالناسَ مِن حيث التعريف بالأولياء ، فقد ضروا بهم كثيرا من حيث اقتصروا على ذكر الكرامات . على أنَّ الواقف على كلامهم ، إذا رأى كرامةً على كرامةٍ ، وتصرّفاً على تصرّفٍ ، وكشفاًعلى كشفٍ ، توهّم أنّ الوليّ لا يعجِز في أمر يُطلَب فيه ، ولا يصدر منه شيء من المخالفات ولو ظاهرا ، فيقع في جهل عظيم لأنّه يظن أنّ الولي موصوفٌ بِوصْفٍ من أوصاف الربو بية ، وهو أنه يفعل ما يشاء ، ولا يلحقه عجز ، وبوصفٍ من أوصاف النبوّة وهو العصمة ، والأمر الأوّل من خصائص الربوبية ، ولم يعطه الله لرسله الكرام فكيف بالأولياء ؟ قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، وقال : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ( ، وقال صلى الله عليه وسلم : « سألت ربّي اثنين فأعطانيهما وسألته اثنين فمنعنيهما ، قال تعالى : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ فقلت : أعوذ بوجهك ، فقال : قد فعلت ، فقال : أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ فقلت : أعوذ بوجهك ، فقال : قد فعلت ، فقال : أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا فقلت : أعوذ بوجهك ، فقال : قد سبق القضاء ، فقال : وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فقلت : أعوذ بوجهك ، فقال : سبق القضاء . »
وقال تعالى في سؤال نوح نجاة ابنه من الغرق : وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، وقال تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا (، والناس اليوم إذا رأوا وليا دعا ولم يستجب له ، أو رأوا ولده على غير طريق الشرع ، وامرته لا تتقى الله قالوا ليس بوليّ إذ لو كان وليا لاستجاب الله دعاءه ، ولو كان وليّا لأصلح أهل داره ، ولا يظنون أن الولي يصلح غيره وهو لا يقدر على إصلاح نفسه . قال تعالى : وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ .