تنوعت التعاريف الصوفية لمقام الإخبات إلا أنها جميعا اتسمت في أصلها بما حدده لها المفسرون من معان سامية، إذ جعله القاشاني مرتبطا بسكون النفس إلى أمر عن سواه بحسب منازل السائرين، ف"صورته في البدايات : سكون النفس إلى الرجوع عن المخالفات .
وأصله في الأبواب : ورود المأمن من الرجوع إلى ما ناب عنه والتردد .
ودرجته في المعاملات : سكون النفس إلى الاستقامة إلى الله في الرعاية والمراقبة حتى تستغرق العصمة الشهوة .
وفي الأخلاق : سكون النفس إلى التخلق بأخلاق الحق، والتنور بنور القدس .
وفي الأصول : سكون القلب في السير إلى الحق بحيث لا ينقص إرادته سبب ولا يزيل أنسه عارض .
وفي الأودية : سكون العقل إلى أن يصير بصيرة، ولا يلتفت إلى الغير لقبه، ولا يوجه إلا إلى الحق همة .
وفي الأحوال : سكون السير إلى المحبوب منجذبا إليه منقاد الجذبة مشتاقا ...
وفي الحقائق : استقرار في الاتصال باستمرار الشهود، والانفصال عن الرسوم .
وفي النهايات : سكون إلى الحق وقرار بفناء رسوم الخلق ".
وعموما فإن الإخبات "من بداوات الطمأنينة وأولى ورقاته أن تستغرق العصمة الشهوة، والإرادة الغفلة، والطلب السلوة . والثانية ألا تنقص الإرادة بسبب، ولا وحش القلب عارض، ولا يقطع الطريق فتنة . والثالثة : أن يستوي المدح والذم، وتدوم اللائمة للنفس وتعمى عن نقصان الخلق" ويقال : " الإخبات استدامة الطاعة بشرط الاستقامة بقدر الاستطاعة ". إذ يبلغ الإنسان المخبت درجة الإيقان، فيبتعد عن شهود العيب في الخلق، أو ملاحقة ما يقوله الغير عنه، بل يعكف على تتبع هفوات نفسه بغرض إصلاحها والارتقاء بها في معارج السيادة العفيفة، والإدراكات السليمة، محافظا على انكسارها وذلها.
وقد تناقل معظم أهل التصوف هذه التعاريف فيما بينهم، والتي تجمع على أن الإخبات مقام جليل اجتمعت فيه خصال عديدة، تكفل كمال انقياد وإذعان العبد لمولاه، بالخضوع الكامل والمطلق ، ومن ثمة يتحقق العبد بالمداومة على الطاعة، وطلب العفو والمغفرة عند المعصية .